إلى آخر الآية ، كما تقدم يؤيد المعنى الأول.
وقوله : « تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » الظاهر أن المراد من التفريط هو التساهل والتسامح في إنفاذ الأمر الإلهي بالتوفي فإن الله سبحانه وصف ملائكته بأنهم يفعلون ما يؤمرون ، وذكر أن كل أمة رهن أجلهم فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فالملائكة المتصدون لأمر التوفي لا يقصرون عن الحد الواجب المحدود المكشوف لهم من موت فلان في الساعة الفلانية على الشرائط الكذائية فهم لا يسامحون في توفي من أمروا بتوفيه ولا مقدار ذرة فهم لا يفرطون.
وهل هذه الرسل هم الرسل المذكورون أولا حتى تكون الحفظة هم الموكلين على التوفي؟ الآية ساكتة عن ذلك إلا ما فيها من إشعار ضعيف بالوحدة غير أن هؤلاء الرسل المأمورين بالتوفي كائنين من كانوا هم من أعوان ملك الموت لقوله تعالى : « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » : ( السجدة : ١١ ).
ونسبة التوفي إلى هؤلاء الرسل ثم إلى ملك الموت في الآية المحكية آنفا ثم إلى الله سبحانه في قوله : « اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ » : ( الزمر : ٤٢ ) من قبيل التفنن في مراتب النسب فالله سبحانه ينتهي إليه كل أمر وهو المالك المتصرف على الإطلاق ، ولملك الموت التوسل إلى ما يفعله من قبض الأرواح بأعوانه الذين هم أسباب الفعل ووسائله وأدواته كالخط الذي يخط القلم وورائه اليد ووراءهما الإنسان الكاتب.
قوله تعالى : « ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ » إشارة إلى رجوعهم إلى الله سبحانه بالبعث بعد الموت ، وتوصيفه تعالى بأنه مولاهم الحق للدلالة على علة جميع ما تقدم من تصرفاته تعالى بالإنامة والإيقاظ والتدبير والإماتة والبعث ، وفيه تحليل لمعنى المولى ثم إثبات حق المولوية له تعالى ، فالمولى هو الذي يملك الرقبة فيكون من حقه جواز التصرف فيها كيفما شاء ، وإذ كان له تعالى حقيقة الملك ، وكان هو المتصرف بالإيجاد والتدبير والإرجاع فهو المولى الحق الذي يثبت له معنى المولوية ثبوتا لا زوال له بوجه البتة.
والحق من أسماء الله الحسنى لثبوته تعالى بذاته وصفاته ثبوتا لا يقبل الزوال ويمتنع عن التغير والانتقال والضمير في « رُدُّوا » راجع إلى الآحاد الذي يومئ إليه سابق الكلام من قوله : « حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ » فإن حكم الموت يعم كل واحد ويجتمع به آحادهم