أن ينسب كفرهم السابق إلى الجميع حتى يكون تغليبا لشركهم على إيمان نبيهم فإن كلامه الحق لا يحتمل ذلك بل نعني أن مجتمع الدين الشامل للنبي وأمته يصدق عليه أن أفراده إنما نجوا من الشرك بعد هداية الله سبحانه إياهم وليس لهم من دونه إلا الضلال أما الأمة فإنهم كانوا على الشرك في زمان قبل زمان اهتدائهم بالدين ، وأما أنبياؤهم فإنما اهتداؤهم بالله سبحانه ، وليس لهم من أنفسهم لو لا الهداية الإلهية إلا الضلال فإن غيره تعالى لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فمن الصادق في حقهم أن ليس لهم أن يرتدوا على أعقابهم بعد إذ هداهم الله أو يعودوا إلى الشرك بعد إذ نجاهم الله منه.
وبالجملة الكلمة صادقة عليهم بنحو الحقيقة وإن لم يكن بعض مجتمعهم وهو النبي الذي فيهم كافرا قبل نبوته فإن الإيمان والاهتداء على أي حال لهم من الله سبحانه بعد الحال الذي لهم من أنفسهم وحالهم من أنفسهم هو الضلال كما عرفت.
على أنك قد عرفت فيما تقدم من البحث المتنوع في عصمة الأنبياء أن القرآن الشريف ناص على طهارة ساحتهم عن أصغر المعاصي الصغيرة فكيف بالكبيرة وبأكبر الكبائر الذي هو الشرك بالله العظيم.
وقوله : « كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ » « إلخ » تمثيل مثل به حال الإنسان المتحير الذي لم يؤت بصيرة في أمره وعزيمة راسخة على سعادته فترك أحسن طريق وأقومه إلى مقصده ، وقد ركبه قبله أصحاب له مهتدون به وبقي متحيرا بين شياطين يدعونه إلى الردى والهلاك ، وأصحاب له مهتدين قد نزلوا في منازلهم أو أشرفوا على الوصول يدعونه إلى الهدى أن ائتنا فلا يدري ما يفعل وهو بين مهبط ومستوى؟.
قوله تعالى : « قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى » إلى آخر الآية. أي إن كان الأمر دائرا بين دعوة الله سبحانه وهي التي توافق الفطرة وتسميه الفطرة هدى الله ، وبين دعوة الشياطين وهي التي فيها الهوى واتخاذ الدين لعبا ولهوا فهدى الله هو الهدى الحقيقي دون غيره.
أما أن ما يوافق دعوة الفطرة هو هدى الله فلا شك يعتريه لأن حق الهداية هو الذي ينطق به الصنع والإيجاد الذي ليس إلا لله ولا نروم شيئا من دين أو اعتقاد إلا لابتغاء مطابقة الواقع والواقع لله فلا يعدوه هداه ، وأما أن هدى الله هو الهدى الحقيقي الذي يجب أن يؤخذ به دون الدعوة الشيطانية فظاهر أيضا لأن الله سبحانه هو الذي إليه