خصوص الشمس بعينها : « فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ » : ( البقرة : ٢٥٨ ) فلم يحك القرآن ما لهج به بالوصف الذي في لغته فما بال هذا المورد ( ( هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ ) ) اختص بهذه الحكاية.
ونظير السؤال آت في قوله يسأل قومه عن شأن الأصنام : « ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ » : ( الأنبياء : ٥٢ ) وكذا قوله في دعائه : « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ » : ( إبراهيم : ٣٦ ).
وكذا لا يسعنا القول بأنه عليهالسلام في تذكيره الإشارة إلى الشمس صان الإله عن وصمة الأنوثية تعظيما أو أن الكلام من باب إتباع المبتدإ للخبر الذي هو مذكر أعني قوله : ( رَبِّي ) ، وقوله : « أَكْبَرُ » فكل ذلك تحكم لا دليل عليه ، وسيجيء تفصيل البحث فيها.
والحاصل أن الذي حكاه الله تعالى في هذه الآيات وما يناظرها من قول إبراهيم عليهالسلام لأبيه وقومه في توحيده تعالى ونفي الشريك عنه كلام يدل بسياقه على أنه عليهالسلام إنما عاش قبل ذلك في معزل من الجو الذي كان يعيش فيه أبوه وقومه ولم يكن يعرف ما يعرفه معاشر المجتمعين من تفاصيل شئون أجزاء الكون والسنن الاجتماعية الدائرة بين الناس المجتمعين ، وأنه كان إذ ذاك في أوائل زمن رشده وتمييزه ترك معزله ولحق بأبيه ، ووجد عنده أصناما فسأله عن شأنها فلما أوقفه على ذلك شاجره في ألوهيتها وألزمه الحجة ، ثم حاج قومه في أمر الأصنام فبكتهم ، ثم رجع إلى عبادتهم لأرباب الأصنام من الكوكب والقمر والشمس فجاراهم في افتراض ربوبيتها الواحد منها بعد الواحد ، ولم يزل يراقب أمرها ، وكلما غرب واحد منها رفضه وأبطل ربوبيته وافترض ربوبية غيره مما يعبدونه حتى أتى في يومه وليلته على آخرها على ما هو ظاهر الآيات ، ثم عاد إلى التوحيد الخالص بقوله : « إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ » وكأنه تم له ذلك في يومين وليلة بينهما تقريبا على ما سنبين إن شاء الله تعالى.
وكان عليهالسلام على بصيرة من أن للعالم خالقا فاطرا للسماوات والأرض هو الله وحده لا شريك له في ذلك ، وإنما يبحث عن أنه هل للناس ومنهم إبراهيم نفسه رب غير الله هو بعض خلقه كشمس أو قمر أو غيرها يربهم ويدبر أمرهم ويشارك الله في أمره أو