يعقوب وإسماعيل عمه وقد أطلق على كل منهما الأب ، وقوله تعالى فيما يحكي من كلام يوسف عليهالسلام : « وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ »: (يوسف : ٣٨) فإسحاق جد يوسف وإبراهيم عليهالسلام جد أبيه وقد أطلق على كل منهما الأب.
فقد تحصل أن آزر الذي تذكره الآية ليس أبا لإبراهيم حقيقة وإنما كان معنونا ببعض الأوصاف والعناوين التي تصحح إطلاق الأب عليه ، وأن يخاطبه إبراهيم عليهالسلام بيا أبت ، واللغة تسوغ إطلاق الأب على الجد والعم وزوج أم الإنسان بعد أبيه وكل من يتولى أمور الشخص وكل كبير مطاع ، وليس هذا التوسع من خصائص اللغة العربية بل يشاركها فيه وفي أمثاله سائر اللغات كالتوسع في إطلاق الأم والعم والأخ والأخت والرأس والعين والفم واليد والعضد والإصبع وغير ذلك مما يهدي إليه ذوق التلطف والتفنن في التفهيم والتفهم.
فقد تبين أولا أن لا موجب للاشتغال بما تقدمت الإشارة إليه من الأبحاث الروائية والتاريخية والأدبية في أبيه ولفظة آزر وأنه هل هو اسم علم أو لقب مدح أو ذم أو اسم صنم فلا حاجة إلى شيء من ذلك في الحصول على مراد الآية.
على أن غالب ما أوردوه في هذا الباب تحكم لا دليل عليه مع ما فيه من إفساد ظاهر الآية وإخلال أمر السياق باعتبار التراكيب العجيبة التي ذكروها للجملة « آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً » من تقديم وتأخير وحذف وتقدير.
وثانيا : أن والده الحقيقي غير آزر لكن القرآن لم يصرح باسمه ، وإنما وقع في الروايات ويؤيده ما يوجد في التوراة أن اسمه « تارخ ».
ومن عجيب الوهم ما ذكره بعض الباحثين أن القرآن الكريم كثيرا ما يهمل فيما يذكره من تاريخ الأنبياء والأمم ويقصه من قصص الماضين أمورا مهمة هي من جوهريات القصص كذكر تاريخ الوقوع ومحله والأوضاع الطبيعية والاجتماعية والسياسية وغيرها المؤثرة في تكون الحوادث الدخيلة في تركب الوقائع ومنها ما في مورد البحث فإن من العوامل المقومة لمعرفة حقيقة هذه القصة معرفة اسم أبي إبراهيم ونسبه وتاريخ زمن نشوئه ونهضته ودعوته ومهاجرته.
وليس ذلك إلا لأن القرآن سلك في قصصه المسلك الجيد الذي يهدي إليه فن القصص الحقيقي وهو أن يختار القاص في قصته كل طريق ممكن موصل إلى غايته ومقصده إيصالا حسنا ، ويمثل المطلوب تمثيلا تاما بالغا من غير أن يبالغ في تمييز صحيح ما يقصه من سقيمه ، ويحصي جميع ما هو من جوهريات القصة كتأريخ الوقوع ومكانه وسائر نعوته