اللازمة فمن الجائز أن يأخذ القرآن الكريم في سبيل النيل إلى مقصده وهو الهداية إلى السعادة الإنسانية قصصا دائرة بين الناس أو بين أهل الكتاب في عصر الدعوة وإن لم يوثق بصحتها أو لم يتبين فيما بأيديهم من القصة جميع جهاتها الجوهرية حتى لو كانت قصة تخييلية كما قيل بذلك في قصة موسى وفتاه وفي قصة الملإ الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت وغير ذلك فالفن القصصي لا يمنع شيئا من ذلك بعد ما ميز القاص أن القصة أبلغ وسيلة وأسهل طريقة إلى النيل بمقصده.
وهذا خطأ فإن ما ذكره من أمر الفن القصصي حق غير أن ذلك غير منطبق على مورد القرآن الكريم فليس القرآن كتاب تاريخ ولا صحيفة من صحف القصص التخييلية وإنما هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد نص على أنه كلام الله سبحانه ، وأنه لا يقول إلا الحق ، وأن ليس بعد الحق إلا الضلال ، وأنه لا يستعين للحق بباطل ، ولا يستمد للهدى بضلال ، وأنه كتاب يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم ، وأن ما فيه حجة لمن أخذ به وعلى من تركه في آيات جمة لا حاجة إلى إيرادها فكيف يسع لباحث يبحث عن مقاصد القرآن أن يجوز اشتماله على رأي باطل أو قصة كاذبة باطلة أو خرافة أو تخييل.
لست أريد أن مقتضى الإيمان بالله ورسوله وبما جاء به رسوله أن ينفى عن القرآن أن يشتمل على باطل أو كذب أو خرافة وإن كان ذلك ، ولا أن الواجب على كل إنسان سليم العقل صحيح الفكر مستقيم الأمر أن تخضع نفسه للقرآن بتصديقه ونفي كل خطإ وزلة عنه في وسائل من المعارف توسل بها إلى مقاصده ، وفي نفس تلك المقاصد وإن كان كذلك.
وإنما أقول : إنه كتاب يدعي لنفسه أنه كلام إلهي موضوع لهداية الناس إلى حقيقة سعادتهم يهدي بالحق ويهدي إلى الحق ومن الواجب على من يفسر كتابا هذا شأنه ويستنطقه في مقاصده ومطالبه أن يفترضه صادقا في حديثه مقتصرا على ما هو الحق الصريح في خبره وكل ما يسوقه من بيان أو يقيمه من برهان على مقاصده وأغراضه هاديا إلى الصراط الذي لا يتخلله باطل موصلا إلى غاية لا يشوبها شيء من غير جنس الحق ولا يداخلها أي وهن وفتور.
وكيف يكون مقصد من المقاصد حقا على الإطلاق وقد تسرب باطل ما إلى طريقه