الذي يدعو إليه المقصد ولا يدعو ـ على ما يراه ـ إلا إلى حق؟ وكيف يكون قضية من القضايا قولا فصلا ما هو بالهزل وقد تسرب إلى البيان المنتج لها شيء من المسامحة والمساهلة؟
وكيف يمكن أن يكون حديث أو نبأ كلاما لله الذي يعلم غيب السماوات والأرض وقد دب فيه جهل أو خبط أو خطاء؟ وهل ينتج النور ظلمة أو الجهل معرفة؟.
فهذا هو المسلك الوحيد الذي لا يحل تعديه في استنطاق القرآن الكريم في مضامين آياته وهو يرى أنه كلام حق لا يشوبه باطل في غرضه وطريق غرضه.
وأما البحث عن أنه هل هو صادق فيما يدعيه لنفسه : أنه كلام الله ، وأنه محض الحق في طريقه وغايته؟ وأنه ما ذا يقضي به الكتب المقدسة الأخرى كالعهدين وأوستا وغيرها في قضايا قضى بها القرآن؟ وأنه ما ذا تهدي إليه الأبحاث العلمية الأخر التاريخية أو الطبيعية أو الرياضية أو الفلسفية أو الاجتماعية أو غيرها؟ فإنما هذه وأمثالها أبحاث خارجة عن وظيفة التفسير ليس من الجائز أن تخلط به أو يقام بها مقامه.
نعم قوله تعالى : « أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » : ( النساء : ٨٢ ) ينطق بأن هناك شبهات عارضة وأوهاما متسابقة إلى الأذهان تسول لها أن في القرآن اختلافا كان يتراءى من آية أنها تخالف آية ، أو أن يستشكل في آية أنها بمضمونها تخالف الحق والحقيقة وإذ كان القرآن ينص على أنه يهدي إلى الحق فيختلف الآيتان بالآخرة ، هذه تدل على أن كل ما تنبئ عنه آية فهو حق وهذه بمضمونها تنبئ نبأ غير حق لكن الآية أعني قوله : « أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ » إلخ ، تصرح القول بأن القرآن تكفي بعض آياته لدفع المشكلة عن بعضها الآخر ويكشف جزء منه عما اشتبه على بعض الأفهام من حال جزء آخر فعلى الباحث عن مراده ومقصده أن يستعين بالبعض على البعض ويستشهد بالبعض على البعض ويستنطق البعض في البعض والقرآن الكريم كتاب دعوة وهداية لا يتخطى عن صراطه ولو خطوة وليس كتاب تاريخ ولا قصة وليست مهمته مهمة الدراسة التاريخية ولا مسلك الفن القصصي ، وليس فيه هوى ذكر الأنساب ولا مقدرات الزمان والمكان ، ولا مشخصات أخر لا غنى للدرس التاريخي أو القصة التخييلية عن إحصائها وتمثيلها.
فأي فائدة دينية في أن ينسب إبراهيم أنه إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن أرفكشاذ بن سام بن نوح؟ أو أن يقال : إنه ولد في أور