غسوق دره أي نفاق ـ بالفتح ـ انتهى.
وفي قوله تعالى : « مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ » التفات من الغيبة إلى الحضور ، والوجه فيه ظاهرا رفع اللبس من جهة مرجع الضمير فلو لا الالتفات إلى الحضور في قوله : « ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ » أوهم السياق رجوعه إلى ما يرجع إليه الضمير في قوله : « مَكَّنَّاهُمْ » وإلا فأصل السياق في مفتتح السورة للغيبة ، وقد تقدم الكلام في الالتفات الواقع في قوله : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ».
وفي قوله : « فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ » دلالة على أن للسيئات والذنوب دخلا في البلايا والمحن العامة ، وفي هذا المعنى وكذا في معنى دخل الحسنات والطاعات في إفاضات النعم ونزول البركات آيات كثيرة.
قوله تعالى : « وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ » إلى آخر الآية ، إشارة إلى أن استكبارهم قد بلغ مبلغا لا ينفع معه حتى لو أنزلنا كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم فناله حسهم بالبصر والسمع ، وتأيد بعض حسهم ببعض فإنهم قائلون حينئذ لا محالة : هذا سحر مبين ، فلا ينبغي أن يعبأ باللغو من قولهم : « وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ » : ( الإسراء : ٩٣ ).
وقد نكر الكتاب في قوله : « كِتاباً فِي قِرْطاسٍ » لأن هذا الكتاب نزل نوع تنزيل لا يقبل إلا التنزيل نجوما وتدريجا ، وقيده بكونه في قرطاس ليكون أقرب إلى ما اقترحوه ، وأبعد مما يختلج في صدورهم أن الآيات النازلة على النبي صلىاللهعليهوآله من منشآت نفسه من غير أن ينزل به الروح الأمين على ما يذكره الله سبحانه : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » : ( الشعراء : ١٩٥ ).
قوله تعالى : « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ » قولهم « لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ » تحضيض للتعجيز ، وقد أخبرهم النبي صلىاللهعليهوآله بما كان يتلو عليهم من آيات الله النازلة عليه أن الذي جاء به إليه ملك كريم نازل من عند الله كقوله تعالى : « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » : ( كورت : ٢١ ) إلى غيرها من الآيات.
فسؤالهم إنزال الملك إنما كان لأحد أمرين على ما يحكيه الله عنهم في كلامه :