واللام في قوله : « لِلَّذِي » للغاية وتفيد معنى إلى ، وكثيرا ما تستعمل في الغاية اللام كما تستعمل « إلى » قال : « أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ » : ( البقرة : ١١ ) « وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ » : ( لقمان : ٢٢ ).
وفي تخصيص فطر السماوات والأرض من بين صفاته تعالى الخاصة وكذا من بين الألفاظ الدالة على الخلقة كالباري والخالق والبديع إشارة إلى ما يؤثره إبراهيم عليهالسلام من دين الفطرة وقد كرر توصيف هذا الدين في القرآن الكريم بأنه دين إبراهيم الحنيف ودين الفطرة أي الدين الذي بنيت معارفه وشرائعه على خلقة الإنسان ونوع وجوده الذي لا يقبل التبدل والتغير فإن الدين هو الطريقة المسلوكة التي يقصد بها الوصول إلى السعادة الحقيقية والسعادة الحقيقية هي الغاية المطلوبة التي يطلبها الشيء حسب تركب وجوده وتجهزه بوسائل الكمال طلبا خارجيا واقعيا ، وحاشا أن يسعد الإنسان أو أي شيء آخر من الخليقة بأمر ولم يتهيأ بحسب خلقته له أو هيئ لخلافه كأن يسعد بترك التغذي أو النكاح أو ترك المعاشرة والاجتماع وقد جهز بخلافها ، أو يسعد بالطيران كالطير أو بالحياة في قعر البحار كالسمك ولم يجهز بما يوافقه.
فالدين الحق هو الذي يوافق بنواميسه الفطرة وحاشا ساحة الربوبية أن يهدي الإنسان أو أي مخلوق آخر مكلف بالدين ـ إن كان ـ إلى غاية سعيدة مسعدة ولا يوافق الخلقة أو لم يجهز بما يسلك به إليها فإنما الدين عند الله الإسلام وهو الخضوع لله بحسب ما يهدي إليه ويدل عليه صنعه وإيجاده.
قوله تعالى : « وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ ». قسم تعالى حججه ع إلى قسمين : أحدهما ما بدأ به هو فحاج الناس ، وثانيهما ما بدأ به الناس فكلموه به بعد ما تبرأ من آلهتهم ، وهذا الذي تعرض له في الآية وما بعده هو القسم الثاني.
لم يذكر تعالى ما أوردوه عليه من الحجة لكنه لوح إليه بقوله حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : « وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ » فهو الاحتجاج لوجوب عبادة آلهتهم من جهة الخوف وقد تقدم وسيجيء أن الذي بعثهم إلى اتخاذ الآلهة وعبادتها أحد أمرين : الخوف من سخطها وقهرها بما لها من السلطة على حوادث العالم الأرضي ، أو رجاء البركة والسعادة