منها ، وأشد الأمرين تأثيرا في نفوسهم هو الأمر الأول أعني الخوف وذلك أن الناس بحسب الطباع يرون ما بأيديهم من النعمة والسعادة المادية ملك أنفسهم إما مرهون جهدهم في سلوك سبيل المعاش في اقتناء الأموال واكتساب المقام والجاه أو مما ملكهم إياه الجد الرفيع أو البخت السعيد كمن ورث مالا من مورثه أو صادف كنزا فتملكه أو ساد قومه برئاسة أبيه.
فطريق الرجاء قليل التأثير في وجوب العبودية حتى أن المسلمين مع ما بأيديهم من التعليم الكامل الإلهي يتأثرون من الوعد والبشارة أقل مما يتأثرون من الوعيد والإنذار ، ولذلك بعينه نرى أن القرآن يذكر الإنذار من وظائف الأنبياء أكثر من ذكر التبشير ، وكلا الأمرين من وظائفهم والطرق التي يستعملونها في الدعوة الدينية.
وبالجملة اختار قوم إبراهيم عليهالسلام في محاجتهم إياه عند ما كلموه في أمر الآلهة سبيل الخوف فأرهبوه من قهر الآلهة وسخطها ووعظوه بسلوك سبيلهم ولزوم طريقهم في التقرب بالآلهة ورفض القول بربوبية الله سبحانه ، وإثباته في المقام الذي أثبتوه فيه وهو أنه الذي ينتهي إليه الكل فحسب.
ولما وجد عليهالسلام كلامهم ينحل إلى جزءين : الردع عن القول بربوبية الله سبحانه والتحريض على القول بربوبية آلهتهم احتج عليهم من الجهتين جميعا لكن لا غنى للجهة الأولى عن الثانية كما سيجيء.
وما أورده في الاحتجاج على حجاجهم في الله سبحانه هو قوله : « أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ » أي إني واقع في أمر مفروغ عنه ومهتد بهداية ربي حيث آتاني العلم بما أراني من ملكوت السماوات والأرض وألهمني بذلك حجة أنفي بها ربوبية غيره من الأصنام والكواكب ، وإني لا أستغني عن رب يدبر أمري فأنتج لي أنه هو الرب وحده لا شريك له ، وإذ هداني إليه فأنا في غنى عن الإصغاء إلى حجتكم والبحث عن الربوبية ثانيا فإن البحث إنما ينفع الطالب ولا طلب بعد الوصول إلى الغاية.
هذا ما يعطيه ظاهر الآية بالتبادر إلى الذهن لكن هناك معنى أدق من ذلك يظهر بالتدبر وهو أن قوله : « وَقَدْ هَدانِ » استدلال بنفس الهداية لا استغناء بالهداية عن