الاستدلال وتقريره أن الله هداني بما علمني من الحجة على نفي ربوبية ، غيره وإثبات ربوبيته ونفس هدايته دليل على أنه رب ولا رب غيره فإن الهداية إلى الرب من جملة التدبير فهي شأن من هو رب ، ولو لم يكن الله سبحانه هو ربي لم يكن ليهديني ولأقام بها إلى الذي هو الرب لكن الله هو هداني فهو ربي.
ولم يكن لهم أن يقولوا : إن الذي علمك ما علمت وألهمك الحجة هو بعض آلهتنا لأن الشيء لا يهدي إلى ما يضره ويميت ذكره ويفسد أمره فاهتداؤه عليهالسلام إلى نفي ربوبيتها لا يصح أن ينسب إليها ، هذا.
ولكن كان لهم أن يقولوا أو أنهم قالوا : إن ذلك من فعل بعض آلهتنا فعل بك ذلك قهرا وسخطا أبعدك عن القول بربوبيتها ولقنك هذه الحجج لما وجد من فساد رأيك وعلة نفسك نظير ما شافهت به عاد هودا عليهالسلام لما دعاهم إلى توحيد الله سبحانه واحتج عليهم بأن الله هو الذي يجب أن يرجى ويخاف ، وأن آلهتهم لا تنفع ولا تضر فردوا عليه بأن بعض آلهتنا اعتراك بسوء قال تعالى في قصتهم حكاية عن هود عليهالسلام : « وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ، قالُوا يا هُودُ ـ إلى أن قال ـ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ » : ( هود : ٥٥ ).
فقوله عليهالسلام : « وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ » إلخ ، ينفي هذه الشبهة وكما أنه ينفي هذه الشبهة فإنه حجة تامة تنفي ربوبية شركائهم.
ومحصله : أنكم تدعونني إلى القول بربوبية شركائكم ورفض القول بربوبية ربي بما تخافونني من أن تمسني شركاؤكم بسوء ، وترهبونني بإلقاء الشبهة فيما اهتديت به ، وإني لا أخاف ما تشركون به لأنها جميعا مخلوقات مدبرة لا تملك نفعا ولا ضرا وإذ لم أخفها سقطت حجتكم وارتفعت شبهتكم.
ولو كنت خفتها لم يكن الخوف الحاصل في نفسي من صنع شركائكم لأنها لا تقدر على شيء بل كان من صنع ربي وكان هو الذي شاء أن أخاف شركاءكم فخفتها فكان هذا الخوف دليلا آخر على ربوبيته وآية أخرى من آيات توحيده يوجب إخلاص العبادة له