يفسر القرآن ، بالقرآن وكيف لا؟ والطمع في ارتفاع الأسباب عن العالم المشهود طمع فيما لا مطمع فيه ، والقرآن الكريم من أوله إلى آخره يتكلم عن السببية ويبني على أصل العلية والمعلولية العام ، وقد تقدم الكلام في هذه المعاني كرارا في الأجزاء السابقة من الكتاب.
قوله تعالى : « وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً » إلخ ، ثم كر عليهالسلام عليهم بحجة أخرى تثبت المناقضة بين قولهم وفعلهم وبعبارة أخرى : حالهم يكذب مقالهم ومحصله أنكم تأمرونني أن أخاف ما لا يجب أن يخاف منه ، وأنتم أنفسكم لا تخافون من يجب أن يخاف منه فأنا أولى بالأمن منكم إن عصيتكم ولم آتمر بأمركم.
أما كون ما تأمرونني بخوفه لا يجب أن يخاف منه فلأن الأصنام وأربابها لا دليل على كونها مستقلة بالضر والنفع حتى توجب الخوف منها ، وأما كونكم لا تخافون من يجب أن يخاف منه فإنكم أنفسكم أثبتم لله سبحانه شركاء في الربوبية ولم ينزل الله في ذلك عليكم برهانا يمكن أن يعتمد عليه فإن الصنع والإيجاد لله سبحانه فله الملك وله الحكم فلو كان اتخذ بعض مخلوقاته شريكا لنفسه يوجب لنا بذلك عبادة شريكه كان إليه لا إلى غيره أن يبين لنا ذلك ويكشف عن وجه الحقيقة فيه ، والطريق فيه أن يقارنه بعلائم وآيات تدل على أن له شركة في كذا وكذا ، وذلك إما وحي أو برهان يتكئ على آثار خارجية ، وشيء من ذلك غير موجود.
وعلى هذا التقرير فقوله تعالى : « ما أَشْرَكْتُمْ » مقيد بحسب ما يستفاد من المقام بما قيد به قوله : « أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً » وإنما ذكر هذا القيد عند ذكر عدم خوفهم من شركهم لأن الحجة إلى ذكره هناك أحوج وهو ظاهر. وقوله : « فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » من تتمة الحجة ، والمجموع برهان على مناقضتهم أنفسهم في دعوته عليهالسلام إلى أن يخاف آلهتهم فإنهم يأمرونه بالخوف فيما لا يجب وهم أنفسهم لا يخافون فيما يجب.
وبالبيان السابق يظهر أن وصف شركائهم بأن الله لم ينزل بها عليهم سلطانا افتراض استدعاه نوع الحجة التي وضعت في الكلام لا مفهوم له يثبت إمكان أن يأمر الله باتخاذ الشركاء آلهة يعبدون فهو بمنزلة قولنا : لا دليل لكم على ما ادعيتم ، في جواب من يخوفنا