فأحضروه إلى مجمعهم فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون فاستنطقوه فقالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ، وقد كان أبقى كبير الأصنام ولم يجده ووضع الفأس على عاتقه أو ما يقرب من ذلك ليشهد الحال على أنه هو الذي كسر سائر الأصنام.
وإنما قال عليهالسلام ذلك وهو يعلم أنهم لا يصدقونه على ذلك وهم يعلمون أنه جماد لا يقدر على ذلك لكنه قال ما قال ليعقبه بقوله : فاسألوهم إن كانوا ينطقون حتى يعترفوا بصريح القول بأنهم جمادات لا حياة لهم ولا شعور ، ولذلك لما سمعوا قوله رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال : أفتعبدون من دون الله ما لا يضركم ولا ينفعكم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون.
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم فبنوا له بنيانا وأسعروا فيه جحيما من النار وقد تشارك في أمره الناس جميعا وألقوه في الجحيم فجعله الله بردا عليه وسلاما وأبطل كيدهم ( الأنبياء : ٥٧ ـ ٧٠ ، الصافات : ٨٨ ـ ٩٨ ) وقد أدخل في خلال هذه الأحوال على الملك ، وكان يعبده القوم ويتخذونه ربا فحاج إبراهيم في ربه فقال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت فغالطه الملك وقال : أنا أحيي وأميت كقتل الأسير وإطلاقه فحاجه إبراهيم بأصرح ما يقطع مغالطته فقال : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر ( البقرة : ٢٥٨ ).
ثم لما أنجاه الله من النار أخذ يدعو إلى الدين الحنيف دين التوحيد فآمن له شرذمة قليلة وقد سمى الله تعالى منهم لوطا ومنهم زوجته التي هاجر بها وقد كان تزوج بها قبل الخروج من الأرض إلى الأرض المقدسة (١).
ثم تبرأ هو عليهالسلام ومن معه من المؤمنين من قومهم وتبرأ هو من آزر الذي كان
__________________
(١) الدليل على إيمان جمع من قومه به قوله تعالى : « قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم » ( الممتحنة : ٤ ) والدليل على تزوجه قبل الخروج إلى الأرض المقدسة سؤاله الولد الصالح من ربه في قوله : « وقال إني ذاهب الى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين » ( الصافات : ١٠٠ ).