فكل زوجين من هذه الأزواج الثلاثة ممتاز بمزية والترتيب مع ذلك من حيث نعم الدنيا فداود وسليمان كانا أكثر تمتعا من نعمها من أيوب ويوسف ، وهما من موسى وهارون ، أو الترتيب من حيث الفضل الديني فالظاهر أن موسى وهارون أفضل من أيوب ويوسف ، وهما أفضل من داود وسليمان لجمعهما بين الصبر في الضراء والشكر في السراء.
والقسم الثاني : زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، وهؤلاء قد امتازوا بشدة الزهد في الدنيا ، والإعراض عن لذائذها ، والرغبة عن زينتها ، ولذلك خصهم هنا بوصف الصالحين لأن هذا الوصف أليق بهم عند مقابلتهم بغيرهم وإن كان كل نبي صالحا ومحسنا على الإطلاق.
والقسم الثالث : إسماعيل واليسع ويونس ولوط ، وأخر ذكرهم لعدم الخصوصية إذ لم يكن لهم من ملك الدنيا وسلطانها ما كان للقسم الأول ، ولا من المبالغة من الإعراض عن الدنيا ما كان للقسم الثاني ، انتهى ملخصا.
وفي تفسير الرازي ، ما يقرب منه وإن كان ما ذكره أوجه بالنسبة إلى ما ذكره الرازي ، ويرد على ما ذكراه جميعا أنهما جعلا القسم الثالث من لا خصوصية له يمتاز به وهو غير مستقيم فإن إسماعيل عليهالسلام قد ابتلاه الله بأمر الذبح فصبر على ما امتحنه الله تعالى به قال تعالى : « فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ـ إلى أن قال ـ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ » ( الصافات : ١٠٨ ) وهذا من الخصائص الفاخرة التي اختص الله بها إسماعيل عليهالسلام ، وبلاء مبين امتاز به حتى جعل الله تعالى التضحية في الحج طاعة عامة مذكرة لمحنته في جنب الله وترك عليه في الآخرين على أنه شارك أباه الكريم في بناء الكعبة وكفى به ميزا.
وكذلك يونس النبي عليهالسلام امتحنه الله تعالى بما لم يمتحن به أحدا من أنبيائه وهو ما التقمه الحوت فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وأما لوط فمحنه في جنب الله مذكورة في القرآن الكريم فقد قاسى المحن في أول أمره مع إبراهيم عليهالسلام حتى هاجر قومه وأرضه في صحابته ، ثم أرسله الله إلى