من غير نكتة ظاهرة.
وأما ثانيا : فلما فيه من تغيير مورد الخطاب ، والعدول من خطاب المخاطبين بقوله : « مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى » إلخ ، إلى خطاب غيرهم بقوله : « وَعُلِّمْتُمْ » إلخ ، من غير قرينة ظاهرة مع وقوع اللبس فالخطاب لغير المشركين والمسلمين وهم اليهود المخاطبون بصدر الآية.
فقد احتج الله سبحانه على اليهود القائلين : « ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ » عنادا وابتغاء للفتنة من طريقين :
أحدهما : طريق المناقضة وهو أنهم مؤمنون بالتوراة وأنها كتاب جاء به موسى عليهالسلام نورا وهدى للناس ويناقضه قولهم : « ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ » ثم ذمهم على تقطيعها بقطعات يظهرون بعضها ويخفون كثيرا.
وثانيهما : أنكم علمتم ما لم يكن في وسعكم أن تعلموه أنتم من عند أنفسكم بالاكتساب ولا في وسع آبائكم أن يعلموه فيورثوكم علمه وذلك كالمعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة والشرائع والقوانين الناظمة للاجتماع والمعدلة له أحسن نظم وتعديل الحاسمة لأعراق الاختلافات البشرية الاجتماعية فإنها وخاصة المواد التشريعية من بينها ليست مما ينال بالاكتساب ، والتي تنال منها من طريق الاكتساب العقلي كالمعارف الكلية الإلهية من التوحيد والنبوة والمعاد والأخلاق الفاضلة في الجملة لا يكفي مجرد ذلك في استقرارها في المجتمع الإنساني ، فمجرد العلم بشيء غير دخوله في مرحلة العمل واستقراره في المستوى العام الاجتماعي ، فحب التمتع من لذائذ المادة وغريزة استخدام كل شيء في طريق التوصل إلى الاستعلاء على مشتهيات النفس والتسلط التام على ما تدعو إليه أهواؤها لا يدع مجالا للإنسان يبحث فيه عن كنوز المعارف والحقائق المدفونة في فطرته ثم يبني ويدوم عليها وفي مسير حياته وخاصة إذا استولت هذه المادية على المجتمع واستقرت في المستوى فإنها تكون لهم ظرفا يحصرهم في التمتعات المادية لا ينفذ في شيء من أقطاره شيء من الفضائل الإنسانية ، ولا يزال ينسى فيه ما بقي من إثارة الفضائل المعنوية الموروثة واحدا بعد واحد حتى يعود مجتمعهم مجتمعا حيوانيا ساذجا كما نشاهده في الظروف الراقية اليوم أنهم توغلوا في المادية واستسلموا للتمتعات الحسية فشغلهم ذلك في أوقاتهم بثوانيها وصرفهم عن الآخرة إلى الدنيا صرفا سلبهم الاشتغال