بالمعنويات ومنعهم أي تفكير في ما يسعدهم في حياتهم الحقيقية الخالدة.
ولم يضبط التاريخ فيما ضبطه من أخبار الأمم والملل رجلا من رجال السياسة والحكومة كان يدعو إلى فضائل الأخلاق الإنسانية والمعارف الطاهرة الإلهية ، وطريق التقوى والعبودية بل أقصى ما كانت تدعو إليه الحكومات الفردية الاستبدادية ـ هو أن يتمهد الأمر لبقاء سلطتها واستقامة الأمر لها ، وغاية ما كانت تدعو إليه الحكومات الاجتماعية ـ الديمقراطية وما يشابهها ـ أن ينظم أمر المجتمع على حسب ما يقترحه هوى أكثرية الأفراد أيا ما اقترحه فضيلة أو رذيلة وافق السعادة الحقيقية العقلية أو خالفها غير أنهم إذا خالفوا شيئا من الفضائل المعنوية والكمالات والمقاصد العالية الإنسانية التي بقيت أسماؤها عندهم وألجأتهم الفطرة إلى إعظامها والاحترام لها كالعدل والعفة والصدق وحب الخير ونصح النوع الإنساني والرأفة بالضعيف وغير ذلك فسروها بما يوافق جاري عملهم والدائر من سنتهم كما هو نصب أعيننا اليوم.
وبالجملة فالعقل الاجتماعي والشعور المادي الحاكم في المجتمعات ليس مما يوصل الإنسان إلى هذه المعارف الإلهية والفضائل المعنوية التي لا تزال المجتمعات الإنسانية على تنوعها وتطورها تتضمن أسماء كثيرة منها واحترام معانيها وأين الإخلاد إلى الأرض من الترفع عن المادة والماديات؟.
فليست إلا آثارا وبقايا من الدعوة الدينية المنتهية إلى نهضات الأنبياء ومجاهداتهم في نشر كلمة الحق وبث دين التوحيد وهداية النوع الإنساني إلى سعادته الحقيقية في حياته الدنيوية والأخروية جميعا فهي منتهية إلى تعليم إلهي من طريق الوحي وإنزال الكتب السماوية.
فقوله تعالى : « وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ » احتجاج على اليهود في رد قول القائل منهم : « ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ » بأن عندكم من العلم النافع ما لم تنالوه من أنفسكم ولا ناله ولا ورثه آباؤكم بل إنما علمتم به من غير هذا الطريق وهو طريق إنزال الكتاب والوحي من قبل الله على بعض البشر فقد أنزل الله على بعض البشر ما علمه وهو المعارف الحقة وشرائع الدين ، وقد كان عند اليهود من هذا القبيل شيء كثير ورثوه من أنبيائهم وبثه فيهم كتاب موسى.