عن أمر حالي جار واقع.
وكيف كان فقوله : « وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ » يحكي قولا قاله بعض المشركين من العرب استكبارا على آيات الله ، وإنما كرر فيه الموصول أعني قوله : « مَنْ » ولم يتكرر في قوله : « أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَ » « إلخ » لأن المظالم المعدودة وإن كانت ثلاثة لكنها من نظرة أخرى قسمان فالأول والثاني من الظلم في جنب الله في صورة الخضوع لجانبه والانقياد لأمره ، والثالث من الظلم في صورة الاستعلاء عليه والاستكبار عن آياته.
قوله تعالى : « وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ » إلى آخر الآية ، الغمر أصله ستر الشيء وإزالة أثره ولذا يطلق الغمرة على الماء الكثير الساتر لما تحته ، وعلى الجهل المطبق ، وعلى الشدة التي تحيط بصاحبها والغمرات الشدائد ، ومنه قوله تعالى : « فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ » ، والهون والهوان الذلة.
وبسط اليد معناه واضح غير أن المراد به معنى كنائي ، ويختلف باختلاف الموارد فبسط الغني يده جوده بماله وإحسانه لمن يستحقه ، وبسط الملك يده إدارته أمور مملكته من غير أن يزاحمه مزاحم وبسط المأمور الغليظ الشديد يده على المجرم المأخوذ به هو نكاله وإيذاؤه بضرب وزجر ونحوه.
فبسط الملائكة أيديهم هو شروعهم بتعذيب الظالمين ، وظاهر السياق أن الذي تفعله الملائكة بهؤلاء الظالمين هو الذي يترجم عنه قوله : « أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ » إلخ ، فهذه الجمل محكية عن الملائكة لا من قول الله سبحانه ، والتقدير : يقول الملائكة لهم أخرجوا أنفسكم « إلخ » فهم يعذبونهم بقبض أرواحهم قبضا يذوقون به أليم العذاب وهذا عذابهم حين الموت ولما ينتقلوا من الدنيا إلى ما وراءها ولهم عذاب بعد ذلك ولما تقم عليهم القيامة كما يشير إليه قوله تعالى : « وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » : ( المؤمنون : ١٠٠ ).
وبذلك يظهر أن المراد باليوم في قوله : « الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ » هو يوم الموت الذي يجزون فيه العذاب وهو البرزخ كما ظهر أن المراد بالظالمين هم المرتكبون لبعض المظالم الثلاثة التي عدها الله سبحانه من أشد الظلم أعني افتراء الكذب على الله ، ودعوى النبوة كذبا والاستهزاء بآيات الله.