ويؤيد ذلك ما ذكره الله من أسباب عذابهم من الذنوب وهو قولهم على الله غير الحق كما هو شأن المفتري الكذب على الله بنسبة الشريك إليه أو بنسبة حكم تشريعي أو وحي كاذب إليه ، واستكبارهم عن آيات الله كما هو شأن من كان يقول : « سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ».
وكذلك قوله : « أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ » أمر تكويني لأن الموت والوفاة ليس في قدرة الإنسان كالحياة حتى يؤمر بذلك قال تعالى : « وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا » : ( النجم : ٤٤ ) فالأمر تكويني والملائكة من أسبابه ، والكلمة مصوغة صوغ الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية كأن النفس الإنسانية أمر داخل في البدن وبه حياته وبخروجه عن البدن طرو الموت وذلك أن كلامه تعالى ظاهر في أن النفس ليست من جنس البدن ولا من سنخ الأمور المادية الجسمانية وإنما لها سنخ آخر من الوجود يتحد مع البدن ويتعلق به نوعا من الاتحاد والتعلق غير مادي كما تقدم بيانه في بحث علمي في الجزء الأول من الكتاب وسيأتي في مواضع تناسبه إن شاء الله. فالمراد بقوله : « أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ » قطع علقة أنفسهم من أبدانهم وهو الموت ، والقول قول الملائكة على ما يعطيه السياق.
والمعنى : وليتك ترى حين يقع هؤلاء الظالمون المذكورون في شدائد الموت وسكراته والملائكة آخذون في تعذيبهم بالقبض الشديد العنيف لأرواحهم وإنبائهم بأنهم واقعون في عالم الموت معذبون فيه بعذاب الهون والذلة جزاء لقولهم على الله غير الحق ولاستكبارهم عن آياته.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ » إلى آخر الآية الفرادى جمع فرد وهو الذي انفصل عن اختلاط غيره نوعا من الاختلاط ويقابله الزوج وهو الذي يختلط بغيره بنحو ويقرب منهما بحسب المعنى الوتر والشفع فالوتر ما لم ينضم إلى غيره والشفع ما انضم إلى غيره ، والتخويل إعطاء الخول أي المال ونحوه الذي يقوم الإنسان به بالتدبير والتصرف.
والمراد بالشفعاء الأرباب المعبودون من دون الله ليكونوا شفعاء عند الله فعادوا بذلك شركاء لله سبحانه في خلقه ، والآية تنبئ عن حقيقة الحياة الإنسانية التي ستظهر له حينما يقدم على ربه بالتوفي فيشاهد حقيقة أمر نفسه وأنه مدبر بالتدبير الإلهي لا غير