بها من الحوادث ويطرأ عليها من الآثار والأعمال لم يستقم شيء من هذه الحجج الباهرة والبراهين القاهرة وذلك أن احتجاج القرآن بهذه الآيات البينات من جهتين :
إحداهما : من جهة الفاعل كما يشير إليه أمثال قوله تعالى : « أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » : ( إبراهيم : ١٠ ) فإن من الضروري أن شيئا من هذه الموجودات لم يفطر ذاته ولم يوجد نفسه ، ولا أوجده شيء آخر مثله فإنه يناظره في الحاجة إلى إيجاد موجد ، ولو لم ينته الأمر إلى أمر موجود بذاته لا يقبل طرو العدم عليه لم يوجد في الخارج شيء من هذه الأشياء فهي موجودة بإيجاد الله الذي هو في نفسه حق لا يقبل بطلانا ولا تغيرا بوجه عما هو عليه.
ثم إنها إذا وجدت لم تستغن عنه فليس إيجاد شيء شيئا من قبيل تسخين المسخن مثلا حيث تنصب الحرارة بالانفصال من المسخن إلى المتسخن فيعود المتسخن واجدا للوصف بقي المسخن بعد ذلك أو زال ، إذ لو كانت إفاضة الوجود على هذه الوتيرة عاد الوجود المفاض مستقلا بنفسه واجبا بذاته لا يقبل العدم لمكان المناقضة ، وهذا هو الذي يعبر عنه الفهم الساذج الفطري بأن الأشياء لو ملكت وجود نفسها واستقلت بوجه عن ربها لم يقبل الهلاك والفساد فإن من المحال أن يستدعي الشيء بطلان نفسه أو شقاءها.
وهو الذي يستفاد من أمثال قوله : « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ » : ( القصص : ٨٨ ) وقوله : « وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً » : ( الفرقان : ٣ ) ويدل على ذلك أيضا الآيات الكثيرة الدالة على أن الله سبحانه هو المالك لكل شيء لا مالك غيره ، وأن كل شيء مملوك له لا شأن له إلا المملوكية.
فالأشياء كما تستفيض منه تعالى الوجود في أول كونها وحدوثها كذلك تستفيض منه ذلك في حال بقائها وامتداد كونها وحياتها فلا يزال الشيء موجودا ما يفيض عليه الوجود وإذا انقطع عنه الفيض انمحى رسمه عن لوح الوجود قال تعالى : « كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً » : ( الإسراء : ٢٠ ) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وثانيتهما : من جهة الغايات كما تشير إليه الآيات الواصفة للنظام الجاري في الكون متلائمة أجزاؤه متوافقة أطرافه يضمن سير الواحد منها إيصال الآخر إلى كماله