الشفاعة فإله الحرب أو السلم له ما يدبره من الأمر من غير أن يختل تدبيره من ناحية غيره ، وكذلك إله البر وإله البحر وإله الحب وإله البغض وسائر الآلهة ، فلا يبقى لله سبحانه شأن يتصرف فيه فقد قسم الأمر بين أعضاده وإن كان هؤلاء شفعاءه وهو رب الأرباب ، فليس يسعه تعالى أن يبطل أمر آلهتهم بإنزال آية تدل على نفي ألوهيتها.
وكان يحضهم على هذه المزعمة ويؤيد هذا الاعتقاد في قلوبهم ما كانوا يتلقونه من يهود الحجاز أن يد الله مغلولة لا سبيل له إلى تغيير شيء من النظام الجاري ، وخرق العادة المألوفة في عالم الأسباب.
وثانيهما : أن الآيات النازلة من عند الله سبحانه إذا كانت مما خص الله به رسولا من رسله من غير أن يقترحه الناس فإنما هي بينات تدل على صحة دعوى الرسول من غير أن يستتبع محذورا للناس المدعوين كالعصا واليد البيضاء لموسى وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وخلق الطير لعيسى ، والقرآن الكريم لمحمد ص.
لكن الآية لو كانت مما اقترحها الناس فإن سنة الله جرت على القضاء بينهم بنزولها فإن آمنوا بها وإلا نزل عليهم العذاب ولم ينظروا بعد ذلك كآيات نوح وهود وصالح وغير ذلك ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على ذلك ، كقوله تعالى : « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ » : ( الأنعام : ٨ ) وقوله : ( وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها ) » ( الإسراء : ٥٩ ).
وقد أشير في الآية الكريمة أعني قوله : « وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ » ، إلى الجهتين جميعا.
فذكر أن الله قادر على أن ينزل أي آية شاء ، وكيف يمكن أن يفرض من هو مسمى باسم « الله » ولا تكون له القدرة المطلقة ، وقد بدل في الجواب لفظة « الرب » إلى اسم « الله » للدلالة على برهان الحكم ، فإن الألوهية المطلقة تجمع كل كمال من غير أن تحد بحد أو تقيد بقيد فلها القدرة المطلقة ، والجهل بالمقام الألوهي هو الذي بعثهم إلى اقتراح الآية بداعي التعجيز.
على أنهم جهلوا أن نزول ما اقترحوه من الآية لا يوافق مصلحتهم ، وأن اجتراءهم