فمعنى قوله : « قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ » إلخ ، قل : لم أدع فيما أدعوكم إليه وأبلغكموه أمرا وراء ما أنا عليه من متعارف حال الإنسان حتى تبكتوني بإلزامي بما تقترحونه مني فلم أدع أني أملك خزائن الألوهية حتى تقترحوا أن أفجر أنهارا أو أخلق جنة أو بيتا من زخرف ، ولا ادعيت أني أعلم الغيب حتى أجيبكم عن كل ما هو مستور تحت أستار الغيوب كقيام الساعة ولا ادعيت أني ملك حتى تعيبوني وتبطلوا قولي بأكل الطعام والمشي في الأسواق للكسب.
قوله تعالى : « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ » بيان لما يدعيه حقيقة بعد رد ما اتهموه به من الدعوى من جهة دعواه الرسالة من الله إليهم أي ليس معنى قولي : إني رسول الله إليكم أن عندي خزائن الله ولا أني أعلم الغيب ولا أني ملك بل إن الله يوحي إلي بما يوحي.
ولم يثبته في صورة الدعوى بل قال : « إِنْ أَتَّبِعُ » إلخ ، ليدل على كونه مأمورا بتبليغ ما يوحى إليه ليس له إلا اتباع ذلك فكأنه لما قال : لا أقول لكم كذا ولا كذا ولا كذا قيل له : فإذا كان كذلك وكنت بشرا مثلنا وعاجزا كأحدنا لم تكن لك مزية علينا فما ذا تريد منا؟ فقال : إن أتبع إلا ما يوحى إلي أن أبشركم وأنذركم فأدعوكم إلى دين التوحيد.
والدليل على هذا المعنى قوله بعد ذلك : « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ » فإن مدلوله بحسب ما يعطيه السياق : أني وإن ساويتكم في البشرية والعجز لكن ذلك لا يمنعني عن دعوتكم إلى اتباعي فإن ربي جعلني على بصيرة بما أوحى إلي دونكم فأنا وأنتم كالبصير والأعمى ولا يستويان في الحكم وإن كانا متساويين في الإنسانية فإن التفكر في أمرهما يهدي الإنسان إلى القضاء بأن البصير يجب أن يتبعه الأعمى ، والعالم يجب أن يتبعه الجاهل.
قوله تعالى : « وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ » إلى آخر الآية الضمير في « بِهِ » راجع إلى القرآن وقد دل عليه قوله في الآية السابقة : « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ » وقوله : « لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ » حال والعامل فيه يخافون أو يحشرون.