والروايات ـ كما ترى ـ يفسر أصحاب الأعراف بمن استوت حسناتهم وسيئاتهم في الميزان ، وفي بعضها أن قوله تعالى : « لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ » إلخ ، من كلامهم وهذا لا ينطبق على آيات الأعراف البتة كما مر بيانه.
على أنك عرفت فيما تقدم من تفسير قوله تعالى : « وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ » الخ : الأعراف : ٨ ، أن الميزان الذي يذكره إما أن يثقل وهو رجحان الحسنات أو يخف وهو رجحان السيئات ، ولا معنى حينئذ لاستواء الحسنات والسيئات الذي هو ثقل الميزان وخفته معا! فلو فرض أن هناك من لا يشخص الميزان رجحان بعض أعماله على بعض مثلا كان ممن لا يقام له وزن يوم القيامة كالكافر الذي أحبطت أعماله ، والمستضعف الذي لم تتم عليه الحجة ولم يتعلق به التكليف.
نعم ربما يستفاد من الرواية الأخيرة أن المراد بالذين استوت حسناتهم وسيئاتهم هم المستضعفون المرجون لأمر الله إن يشأ يغفر لهم وإن يشأ يعذبهم. فالاستواء كناية عن عدم الرجحان ، ويندفع حينئذ إشكال الوزن لكن يبقى الإشكال من جهة الانطباق على ظاهر الآيات وفيها من صفات رجال الأعراف وأصحابه ما لا يتصف به إلا السابقون المقربون المتصدرون في حظيرة الكرامة والسعادة ، وهؤلاء المستضعفون إن صح عدهم من أهل السعادة فهم نازلون في أنزل منازلها.
وفي المجمع ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : الأعراف كثبان بين الجنة والنار ـ يوقف عليها كل نبي وكل خليفة ـ مع المذنبين من أهل زمانه ـ كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده ـ وقد سبق المحسنون إلى الجنة ـ فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه : انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا ـ فيسلم عليهم المذنبون : وذلك قوله : « وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ » ثم أخبر سبحانه وتعالى : أنهم لم يدخلوها وهم يطمعون ـ يعني هؤلاء المذنبين لم يدخلوا الجنة ـ وهم يطمعون أن يدخلهم الله بشفاعة النبي والإمام ، وينظر هؤلاء المذنبون إلى أهل النار فيقولون ـ ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين.
ثم ينادي أصحاب الأعراف وهم الأنبياء والخلفاء ـ رجالا من أهل النار مقرعين لهم ـ ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ـ أهؤلاء الذين أقسمتم يعني أهؤلاء المستضعفين ـ الذين كنتم تستضعفونهم وتحتقرونهم بفقرهم ـ وتستطيلون بدنياكم عليهم ـ ثم يقولون لهؤلاء