الذي أفاض علينا بها ، وما شاهدنا فيه من صفات النقص والحاجة فأيقنا أنه تعالى منزه منها متصف بما يقابلها من صفة الكمال وبها يرفع عنا النقص والحاجة فيما يرفع ، فمشاهدة العلم والقدرة في الكون تهدينا إلى اليقين بأن له سبحانه علما وقدرة يفيض بهما ما يفيضه من العلم والقدرة ، ومشاهدة الجهل والعجز في الوجود تدلنا على أنه منزه عنهما متصف بما يقابلهما من العلم والقدرة الذين بهما ترفع حاجتنا إلى العلم والقدرة فيما ترفع ، وهكذا في سائرها.
ومن هنا يظهر أن جهات الخلقة وخصوصيات الوجود التي في الأشياء ترتبط إلى ذاته المتعالية من طريق صفاته الكريمة أي إن الصفات وسائط بين الذات وبين مصنوعاته فالعلم والقدرة والرزق والنعمة التي عندنا بالترتيب تفيض عنه سبحانه بما أنه عالم قادر رازق منعم بالترتيب ، وجهلنا يرتفع بعلمه ، وعجزنا بقدرته ، وذلتنا بعزته ، وفقرنا بغناه ، وذنوبنا بعفوه ومغفرته ، وإن شئت فقل بنظر آخر هو يقهرنا بقهره ويحدنا بلا محدوديته ، وينهينا بلا نهايته ، ويضعنا برفعته ، ويذللنا بعزته ، ويحكم فينا بما يشاء بملكه ـ بالضم ـ ويتصرف فينا كيف يشاء بملكه ـ بالكسر ـ فافهم ذلك.
وهذا هو الذي نجري عليه بحسب الذوق المستفاد من الفطرة الصافية فمن يسأل الله الغنى ليس يقول : يا مميت يا مذل أغنني ، وإنما يدعوه بأسمائه : الغني والعزيز والقادر مثلا ، والمريض الذي يتوجه إليه لشفاء مرضه يقول : يا شافي يا معافي يا رءوف يا رحيم ارحمني واشفني ، ولن يقول : يا مميت يا منتقم يا ذا البطش اشفني : وعلى هذا القياس.
والقرآن الكريم يصدقنا في هذا السلوك والقضاء ، وهو أصدق شاهد على صحة هذا النظر فتراه يذيل آياته الكريمة بما يناسب مضامين متونها من الأسماء الإلهية ويعلل ما يفرغه من الحقائق بذكر الاسم والاسمين من الأسماء بحسب ما يستدعيه المورد من ذلك. والقرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يستعمل الأسماء الإلهية في تقرير مقاصده ، ويعلمنا علم الأسماء من بين ما بلغنا من الكتب السماوية المنسوبة إلى الوحي.
فتبين أنا ننتسب إليه تعالى بواسطة أسمائه ، وبأسمائه بواسطة آثارها المنتشرة