قوله تعالى : « أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة » إلى آخر الآية. الإشارة إلى أصحاب الجنة ، والاستفهام للتقرير أي هؤلاء هم الذين كنتم تجزمون قولا أنهم لا يصيبهم فيما يسلكونه من طريق العبودية خير ، وإصابة الخير هي نيله تعالى إياهم برحمة ووقوع النكرة ـ برحمة ـ في حيز النفي يفيد استغراق النفي للجنس ، وقد كانوا ينفون عن المؤمنين كل خير.
وقوله : أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ، أمر من أصحاب الأعراف للمؤمنين أن يدخلوا الجنة بعد تقرير حالهم بالاستفهام ، وهذا هو الذي يفيده السياق.
وقول بعضهم في الآية : إنها بتقدير القول أي قيل لهم من قبل الرحمان : أدخلوا الجنة لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم ، ولا أنتم تحزنون من شئ ينغص عليكم حاضركم ، وحذف القول للعلم به من قرائن الكلام كثير في التنزيل وفي كلام العرب الخلص ( انتهى ). مدفوع بعدم مساعدة السياق ودلالة القرائن عليه بوجه كما تقدم بيانه ، وليس إذا جاز تقدير القول في محل لتبادر معناه من الكلام جاز ذلك في أي مقام أريد ، وأي سياق أم أية قرينة تدل على ذلك في المقام؟.
( كلام في معنى الأعراف في القرآن )
لم يذكر الأعراف في القرآن إلا في هذه الآيات الأربع من سورة الأعراف ( ٤٦ ـ ٤٩ ) وقد استنتج باستيفاء البحث في الآيات الشريفة أنه من المقامات الكريمة الانسانية التي تظهر يوم القيامة وقد مثله الله سبحانه بأن بين الدارين دار الثواب ودار العقاب حجابا يحجز إحداهما من الأخرى ـ والحجاب بالطبع خارج عن حكم طرفية في عين أنه مرتبط بهما جميعا ـ وللحجاب أعراف وعلى الأعراف رجال مشرفون على الناس من الأولين والآخرين يشاهدون كل ذي نفس منهم في مقامه الخاص به على اختلاف مقاماتهم ودرجاتهم ودركاتهم من أعلى عليين إلى أسفل سافلين ، ويعرفون كلا منهم بما له من الحال الذي يخصه والعمل الذي عمله ، لهم أن يكلموا من شاؤوا منهم ، ويؤمنوا من شاؤوا ، ويأمروا بدخول الجنة بإذن الله.
ويستفادوا من ذلك أن لهم موقفا خارجا من موقفي السعادة التي هي النجاة