بكلامه يكلمهم بما يضطر عقولهم بقبوله من الحجج والبراهين والموعظة الحسنة وهو مع ذلك معجزة باهرة فلا يؤمنون بشيء آخر البتة ، وقد أخبر سبحانه أنه طبع على قلوبهم فلا سبيل لهم إلى فقه القول والإيمان بالحق ، ولذلك عقبه بقوله في الآية التالية : « مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ » الآية.
قوله تعالى : « مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ » العمه الحيرة والتردد في الضلال أو عدم معرفة الحجة ، وإنما لم يذكر ما يقابله وهو أن من يهدي فلا مضل له لأن الكلام مسوق لتعليل الآية السابقة : « فَبِأَيِّ حَدِيثٍ » الآية كأنه قيل : لم لا يؤمنون بحديث البتة؟ فقيل : لأن من يضلل الله الآية.
كلام في الأسماء الحسنى في فصول
١ ـ ما معنى الأسماء الحسنى؟ وكيف الطريق إليها؟ نحن أول ما نفتح أعيننا ونشاهد من مناظر الوجود ما نشاهده يقع إدراكنا على أنفسنا وعلى أقرب الأمور منا وهي روابطنا مع الكون الخارج من مستدعيات قوانا العاملة لإبقائنا فأنفسنا ، وقوانا ، وأعمالنا المتعلقة بها هي أول ما يدق باب إدراكنا لكنا لا نرى أنفسنا إلا مرتبطة بغيرها ولا قوانا ولا أفعالنا إلا كذلك ، فالحاجة من أقدم ما يشاهده الإنسان يشاهدها من نفسه ومن كل ما يرتبط به من قواه وأعماله والدنيا الخارجة و، عند ذلك يقضي بذات ما يقوم بحاجته ويسد خلته ، وإليه ينتهي كل شيء ، وهو الله سبحانه ، ويصدقنا في هذا النظر والقضاء قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ ».
وقد عجز التاريخ عن العثور على بدء ظهور القول بالربوبية بين الأفراد البشرية بل وجده وهو يصاحب الإنسانية إلى أقدم العهود التي مرت على هذا النوع حتى أن الأقوام الوحشية التي تحاكي الإنسان الأولي في البساطة لما اكتشفوهم في أطراف المعمورة كقطان أميركا وأستراليا وجدوا عندهم القول بقوى عالية هي وراء مستوى الطبيعة ينتحلون بها ، وهو قول بالربوبية وإن اشتبه عليهم المصداق فالإذعان بذات ينتهي إليها أمر كل شيء من لوازم الفطرة الإنسانية لا يحيد عنه إلا من انحرف عن إلهام