وإذا نظروا إليه أو ما يفيد مفاده.
ومعنى الآية : وإذا نظر أصحاب الأعراف أحيانا إلى أصحاب النار تعوذوا بالله من أن يجعلهم مع أصحاب النار فيدخلهم النار ، وقالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين.
وليس دعاؤهم هذا الدعاء دالا على سقوط منزلتهم ، وخوفهم من دخول النار كما يدل على رجائهم دخول الجنة قوله « وهم يطمعون » وذلك أن ذلك مما دعا به أولوا العزم من الرسل والأنبياء المكرمون والعباد الصالحون وكذا الملائكة المقربون فلا دلالة فيه ولو بالاشعار الضعيف على كون الداعي ذا سقوط في حالة وحيره من أمره. هذا ما فسروا به الآية بإرجاع ضميري الجمع إلى رجال.
لكنك خبير بأن ذلك لا يلائم الاظهار الذي في مفتتح الآية التالية في قوله : « ونادى أصحاب الأعراف » إذ الكلام في هذه الآيات الأربع جار في أوصاف أصحاب الأعراف وأخبارهم كقوله : « يعرفون كلا » الخ ، وقوله : « ونادوا أصحاب الجنة » الخ وقوله : « لم يدخلوها » الخ ، على احتمال ، وقوله : « وإذا صرفت أبصارهم » الخ ، فكان من اللازم أن يقال : « ونادوا ـ أي أصحاب الأعراف ـ رجالا يعرفونهم » الخ ، وليس في الكلام أي لبس ولا نكتة ظاهرة توجب العدول من الاضمار الذي هو الأصل في المقام إلى الاظهار بمثل قوله : « ونادى أصحاب الأعراف ».
فالظاهر أن ضميري الجمع أعني ما في قوله « أبصارهم » وقوله « قالوا » راجعان إلى أصحاب الجنة ، والجملة إخبار عن دعائهم إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار كما أن الجملة السابقة بيان لطمعهم في دخول الجنة ، وكل ذلك قبل دخولهم الجنة.
قوله تعالى : «ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم» إلى آخر الآية ، في توصيف الرجال بقوله : «يعرفونهم بسيماهم» دلالة على أن سيماءهم كما يدلهم على أصل كونهم من أصحاب الجنة يدلهم على أمور أخر من خصوصيات أحوالهم ، وقد مرت الإشارة إليه.
وقوله : « قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون » تقريع لهم وشماتة ، وكشف عن تقطع الأسباب الدنيوية عنهم فقد كانوا يستكبرون عن الحق ويستذلونه ويغترون بجمعهم.