على أعراف الحجاب بين الجنة والنار نادوا وهم لم يدخلوا.
وعلى من يميل إلى أن يجعل قوله : « لم يدخلوها وهم يطمعون » بيانا لحال أصحاب الأعراف أن يجعل قوله : « لم يدخلوها » استئنافا يخبر عن حال أصحاب الأعراف أو صفة لرجال والتقدير : وعلى الأعراف رجال لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا .. الخ كما نقل عن الزمخشري في الكشاف.
لكن يبعد الاستئناف أن اللازم حينئذ إظهار الفاعل في قوله : « لم يدخلوها » دون إضماره لمكان اللبس كما فعل ذلك في قوله : « ونادى أصحاب الأعراف رجالا » الخ ، ويبعد الوصفية الفصل بين الموصوف والصفة بقوله : « ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم » من غير ضرورة موجبة.
وهذا التقدير الذي تقدم أعني رجوع معنى قوله : « لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم » إلى آخر الآية ، إلى قولنا : وعلى الأعراف رجال يطمعون في دخول الجنة ويتعوذون من دخول النار ـ على ما زعموا ـ هو الذي مهد لهم الطريق وسواه للقول بأن أصحاب الأعراف رجال استوت حسناتهم وسيئاتهم فلم يترجح لهم أن يدخلوا الجنة أو النار فأوقفوا على الأعراف.
لكنك عرفت أن قوله : « لم يدخلوها » الخ ، حال أصحاب الجنة لا وصف أصحاب الأعراف ، وأما قوله : « وإذا صرفت أبصارهم » الخ ، فسيأتي ما في كونه بيانا لحال أصحاب الأعراف من الكلام.
قوله تعالى : « وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين » التلقاء كالبيان مصدر لقي يلقى ثم استعمل بمعنى جهة اللقاء ، وضمير الجمع في قوله : « أبصارهم » وقوله : « قالوا » عائد إلى « رجال » والتعبير عن النظر إلى أصحاب النار بصرف أبصارهم إليه كان الوجه فيه أن الانسان لا يحب إلقاء النظر إلى ما يؤلمه النظر إليه وخاصة في مثل المورد الذي يشاهد الناظر فيه أفظع الحال وأمر العذاب وأشقه الذي لا يطاق النظر إليه غير أن اضطراب النفس وقلق القلب ربما يفتح العين نحوه للنظر إليه كأن غيره هو الذي صرف نظره إليه وإن كان الانسان لو خلي وطبعه لم يرغب في النظر ولو بوجه نحوه ، ولذا قيل : « وإذا صرفت أبصارهم » الخ ولم يقل