بذلك أن يبلغ يوسف مبلغه الذي قدر له فإنه لو لم يخرج من الجب ولم يسر بضاعة لم يدخل بيت العزيز بمصر فلم يؤت ما أوتيه من الملك والعزة.
ومعنى الآية : وجاءت جماعة مارة إلى هناك فأرسلوا من يطلب لهم الماء فأرسل دلوه في الجب ثم لما أخرجها فاجأهم بقوله : يا بشرى هذا غلام ـ وقد تعلق يوسف بالحبل فخرج ـ فأخفوه بضاعة يقصد بها البيع والتجارة والحال أن الله سبحانه عليم بما يعملون يؤاخذهم عليه أو أن ذلك كان بعلمه تعالى وكان يسير يوسف هذا المسير ليستقر في مستقر العزة والملك والنبوة.
قوله تعالى : « وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ » الثمن البخس هو الناقص عن حق القيمة ، ودراهم معدودة أي قليلة والوجه فيه ـ على ما قيل ـ إنهم كانوا إذا كثرت الدراهم أو الدنانير وزنوها ولا يعدون إلا القليلة منها والمراد بالدراهم النقود الفضية الدائرة بينهم يومئذ ، والشراء هو البيع ، والزهد هو الرغبة عن الشيء أو هو كناية عن الاتقاء.
والظاهر من السياق أن ضميري الجمع في قوله : « وَشَرَوْهُ » « وَكانُوا » للسيارة والمعنى أن السيارة الذين أخرجوه من الجب وأسروه بضاعة باعوه بثمن بخس ناقص وهي دراهم معدودة قليلة وكانوا يتقون أن يظهر حقيقة الحال فينتزع هو من أيديهم.
ومعظم المفسرين على أن الضميرين لإخوة يوسف والمعنى أنهم باعوا يوسف من السيارة بعد أن ادعوا أنه غلام لهم سقط في البئر وهم إنما حضروا هناك لإخراجه من الجب فباعوه من السيارة وكانوا يتقون ظهور الحال.
أو أن أول الضميرين للإخوة والثاني للسيارة والمعنى أن الإخوة باعوه بثمن بخس دراهم معدودة وكانت السيارة من الراغبين عنه يظهرون من أنفسهم الزهد والرغبة لئلا يعلو قيمته أو يرغبون عن اشترائه حقيقة لما يحدسون أن الأمر لا يخلو من مكر وإن الغلام ليس فيه سيماء العبيد.
وسياق الآيات لا يساعد على شيء من الوجهين فضمائر الجمع في الآية السابقة للسيارة ولم يقع للإخوة بعد ذلك ذكر صريح حتى يعود ضمير « وَشَرَوْهُ » و « كانُوا » أو أحدهما إليهم على أن ظاهر قوله في الآية التالية : « وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ » أنه