ولازم ذلك أن يكون الجزاء المقدر لقوله : « لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ » هو ارتكاب السوء والفحشاء ، ولازم ذلك أن يكون « لَوْ لا أَنْ رَأى » إلخ قيدا لقوله : « وَهَمَّ بِها » وذلك يقتضي أن يكون المراد بهمه بها نظير همها به هو القصد إلى المعصية ويكون حينئذ همه بها داخلا تحت الشرط ، والمعنى أنه لو لا أن رءا برهان ربه لهم بها وأوشك أن يرتكب فإن « لَوْ لا » وإن كانت ملحقة بأدوات الشرط وقد منع النحاة تقدم جزائها عليها قياسا على إن الشرطية إلا أن قوله : « وَهَمَّ بِها » ليس جزاء لها بل هو مقسم به بالعطف على قوله : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ » وهو في معنى الجزاء استغنى به عن ذكر الجزاء فهو كقولنا : والله لأضربنه إن يضربني والمعنى : والله إن يضربني أضربه.
ومعنى الآية : والله لقد همت به والله لو لا أن رءا برهان ربه لهم بها وأوشك أن يقع في المعصية ، وإنما قلنا : أوشك أن يقع ، ولم نقل : وقع لأن الهم ـ كما قيل ـ لا يستعمل إلا فيما كان مقرونا بالمانع كقوله تعالى : « وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا » : التوبة : ٧٤ ، وقوله : « إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا » : آل عمران : ١٢٢ ، وقول صخر :
أهم بأمر الحزم لا أستطيعه |
|
وقد حيل بين العير والنزوان |
فلو لا ما رآه من البرهان لكان الواقع هو الهم والاقتراب دون الارتكاب والاقتراف ، وقد أشار سبحانه إلى ذلك بقوله : « لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ » ولم يقل : لنصرفه من السوء والفحشاء فتدبر فيه.
ومن هنا يظهر أن الأنسب أن يكون المراد بالسوء هو الهم بها والميل إليها كما أن المراد بالفحشاء اقتراف الفاحشة وهي الزنا فهو عليهالسلام لم يفعل ولم يكد ، ولو لا ما أراه الله من البرهان لهم وكاد أن يفعل ، وهذا المعنى هو الذي يؤيده ما قدمناه من الاعتبار والتأمل في الأسباب والعوامل المجتمعة في هذا الحين القاضية لها عليه.
فقوله تعالى : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ » اللام فيه للقسم ، والمعنى وأقسم لقد قصدت يوسف بما تريده منه ولا يكون الهم إلا بأن تشفع الإرادة بشيء من العمل.
وقوله : « وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ » معطوف على مدخول لام القسم من الجملة السابقة ، والمعنى أقسم لو لا رؤيته برهان ربه لهم بها وكاد أن يجيبها لما تريده منه.
والبرهان هو السلطان ويراد به السبب المفيد لليقين لتسلطه على القلوب كالمعجزة