قال تعالى : « فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ » : القصص : ٣٢ ، وقال : « يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ » : النساء : ١٧٤ ، وقال : « أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » : النمل : ٦٤ وهو الحجة اليقينية التي تجلي الحق ولا تدع ريبا لمرتاب.
والذي رآه يوسف عليهالسلام من برهان ربه وإن لم يوضحه كلامه تعالى كل الإيضاح لكنه ـ على أي حال ـ كان سببا من أسباب اليقين لا يجامع الجهل والضلال بتاتا ، ويدل على أنه كان من قبيل العلم قول يوسف عليهالسلام فيما يناجي ربه كما سيأتي : « وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ » : الآية ٣٣ من السورة ، ويدل على أنه ليس من العلم المتعارف بحسن الأفعال وقبحها ومصلحتها ومفسدتها إن هذا النوع من العلم قد يجامع الضلال والمعصية وهو ظاهر قال تعالى : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ » : الجاثية : ٢٣ وقال : « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » : النمل : ١٤.
فالبرهان الذي أراه به وهو الذي يريه الله عباده المخلصين نوع من العلم المكشوف واليقين المشهود تطيعه النفس الإنسانية طاعة لا تميل معها إلى معصية أصلا ، وسنورد فيه بعض الكلام إن شاء الله تعالى.
وقوله : « كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ » اللام في « لِنَصْرِفَ » للغاية أو التعليل والمآل واحد و « كَذلِكَ » متعلق بقوله « لِنَصْرِفَ » والإشارة إلى ما ذكر من رؤية برهان ربه ، والسوء هو الذي يسوء صدوره من العبد بما هو عبد وهو مطلق المعصية أو الهم بها ، والفحشاء هو ارتكاب الأعمال الشنيعة كالزنا ، وقد تقدم أن ظاهر السياق انطباق السوء والفحشاء على الزنا والهم به.
والمعنى : الغاية ـ أو السبب ـ في أن رءا برهان ربه هي أن نصرف عنه الفحشاء والهم بها.
ومن لطيف الإشارة في الآية ما في قوله : « لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ » حيث أخذ السوء والفحشاء مصروفين عنه لا هو مصروفا عنهما ، لما في الثاني من الدلالة على أنه كان فيه ما يقتضي اقترافهما المحوج إلى صرفه عن ذلك ، وهو ينافي شهادته تعالى بأنه من عباده