فعلا وقولا بتقطيع الأيدي وتنزيه الحسن فلم يبق لهن إلا أن يصدقنها فيما تقول ويعذرنها فيما تفعل.
قوله تعالى : « قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ » إلى آخر الآية ، الكلام في موضع دفع الدخل كان قائلا يقول : فما ذا قالت امرأة العزيز لهن؟فقيل : « قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ».
وقد فرعت كلامها على ما تقدمه من قولهن وفعلهن وأشارت إلى شخص الذي لمنها فيه ووصفته بأنه الذي لمنها فيه ليكون هو بعينه جوابا لما رمينها به من ترك شرف بيتها وعزة زوجها وعفة نفسها في حبه ، وعذرا قبال لومهن إياها في مراودته ، وأقوى البيان أن يحال السامع إلى العيان ، ومن هذا الباب قوله تعالى « أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ » : الأنبياء : ٣٦ ، وقوله : « رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا » : الأعراف : ٣٨.
ثم اعترفت بالمراودة وذكرت لهن أنها راودته لكنه أخذ بالعفة وطلب العصمة ، وإنما استرسلت وأظهرت لهن ما لم تزل تخفيه لما رأت موافقة القلوب على التوله فيه فبثت الشكوى لهن ونبهت يوسف أنها غير تاركته فليوطن نفسه على طاعتها فيما تأمر به ، وهذا معنى قولها : « وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ».
ثم ذكرت لهن ما عزمت عليه من إجباره على الموافقة وسياسته لو خالفت فقالت : « وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ » وقد أكدت الكلام بوجوه من التأكيد كالقسم والنون واللام ونحوها ليدل على أنها عزمت على ذلك عزيمة جازمة ، وعندها ما يجبره على ما أرادته ولو استنكف فليوطن نفسه على السجن بعد الراحة ، والصغار والهوان بعد الإكرام والاحترام ، وفي الكلام تجلد ونوع تعزز وتمنع بالنسبة إليهن ونوع تنبيه وتهديد بالنسبة إلى يوسف عليهالسلام.
وهذا التهديد الذي يتضمنه قولها : « وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ » أشد وأهول مما سألته زوجها يوم المراودة بقولها : « ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ ».
أما أولا : فلأنها رددت الجزاء هناك بين السجن والعذاب الأليم وجمع هاهنا بين الجزاءين