الله سبحانه فهو المالك له بذاته والعبد يملكه بأمر منه وإذن كما أن العبد إنما يهتدي عن هداية من الله ، وليس هناك إلا هدى واحد لكنه مملوك لله سبحانه لذاته والعبد إنما يملكه بتمليك منه سبحانه ، وأبسط كلمة في هذا المعنى ما وقع في أخبار آل العصمة أن الله يوفق عبده لفعل الخير وترك الشر هذا.
فتلخص أن المراد بقوله عليهالسلام ( وَاجْنُبْنِي ) سؤال ما لله سبحانه من الصنع في ترك العبد عبادة الأصنام وبعبارة أخرى هو يسأل ربه أن يحفظه وبنيه من عبادة الأصنام ويهديهم إلى الحق إن هم عرضوا أنفسهم لذلك وأن يفيض عليهم إن استفاضوا لا أن يحفظهم منها سواء عرضوا لذلك أنفسهم أو لم يعرضوا وأن يفيض عليهم سواء استفاضوا أو امتنعوا فهذا معنى دعائه عليهالسلام.
ومنه يعلم أن نتيجة الدعاء لبعض المدعوين لهم وإن كان بلفظ يستوعب الجميع ، وهذا البعض هم المستعدون لذلك دون المعاندين والمستكبرين منهم وسنزيده بيانا.
ثم هو عليهالسلام يدعو بهذا الدعاء لنفسه وبنيه : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) وبنوه جميع من جاء من نسله بعده وهم بنو إسماعيل وبنو إسحاق فإن الابن كما يطلق على الولد من غير واسطة كذلك يطلق على غيره ، ويصدق ذلك القرآن الكريم قال تعالى : ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ) الحج : ٧٨ وقد تكرر إطلاق بني إسرائيل على اليهود في نيف وأربعين موضعا من كلامه تعالى.
فهو عليهالسلام يسأل البعد عن عبادة الأصنام لنفسه ولجميع من بعده من بنيه بالمعنى الذي تقدم ، اللهم إلا أن يقال : إن قرائن الحال والمقال تدل على اختصاص الدعاة بآل إسماعيل القاطنين بالحجاز فلا يعم بني إسحاق.
ثم عقب عليهالسلام دعاءه : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) بقوله : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) وهو في مقام التعليل لدعائه وقد أعاد النداء ( رَبِ ) إثارة للرحمة الإلهية ، أي إني إنما أسألك أن تبعدني وبني عن عبادتهن لأنهن أضللن كثيرا من الناس ونسبة الإضلال إلى الأصنام لمكان الربط الذي بين الضلال وبينهن وإن لم يكن ارتباطا شعوريا وليس من اللازم في نسبة أي فعل أو أثر إلى شيء أن يقوم به قياما شعوريا وهو ظاهر.