ثم قوله عليهالسلام : ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) تفريع على ما تقدم من كلامه أي إذا كان كثير من الناس أضلتهم الأصنام بعبادتهن واستعذت بك وعرضت نفسي وبني عليك أن تجنبنا من عبادتهن افترقنا نحن والناس طائفتين : الضالون عن طريق توحيدك والعارضون لأنفسهم على حفظك وإجنابك فمن تبعني ( إلخ ).
وقد عبر عليهالسلام في تفريعه بقوله : ( فَمَنْ تَبِعَنِي ) والاتباع إنما يكون في طريق ـ وقد لوح إلى الطريق أيضا بقوله : ( أَضْلَلْنَ ) لأن الضلال إنما يكون عن الطريق ـ فمراده باتباعه التدين بدينه والسير بسيرته لا مجرد الاعتقاد بوحدانيته تعالى بل سلوك طريقته المبنية على توحيد الله سبحانه ليكون في ذلك عرض النفس على رحمته تعالى وإجنابه من عبادة الأصنام.
ومن الدليل على كون المراد بالاتباع هو سلوك سبيله قوله في ما يعادله من كلامه : ( وَمَنْ عَصانِي ) فإنه نسب العصيان إلى نفسه ولم يقل : ومن كفر بك أو عصاك أو فسق عن الحق ونحو ذلك كما لم يقل فمن آمن بك أو أطاعك أو اتقاك وما أشبهه.
فمراده باتباعه سلوك طريقه والتدين بجميع ما أتى به من الاعتقاد والعمل وبعصيانه ترك سيرته وما أتى به من الشريعة اعتقادا وعملا كأنه عليهالسلام يقول : من تبعني وعمل بشريعتي وسار بسيرتي فإنه ملحق بي ومن أبنائي تنزيلا أسألك أن تجنبني وإياه أن نعبد الأصنام ، ومن عصاني بترك طريقتي كلها أو بعضها سواء كان من بني أو غيرهم فلا ألحقه بنفسي ولا أسألك إجنابه وإبعاده بل أخلي بينه وبين مغفرتك ورحمتك.
ومن هنا يظهر أولا أن قوله عليهالسلام : ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) تفسير لقوله : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) بالتصرف في البنين تعميما وتخصيصا فهو كتعميم البنين لكل من تبعه من جهة وتخصيصه بالعاصين له منهم من جهة أخرى فليسوا منه ولا ملحقين به ، وبالجملة هو عليهالسلام يلحق الذين اتبعوه من بعده بنفسه وأما غير متبعيه فيخلي بينهم وبين ربهم الغفور الرحيم كما قال تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) آل عمران : ٦٨.
وهذه التوسعة والتضييق منه عليهالسلام نظير مجموع ما وقع منه ومن ربه في الفقرة