الأخرى من دعائه على ما يحكيه آية البقرة : ( وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) حيث سأل الرزق أولا لأهل البلد ثم خصه لمن آمن منهم فعممه الله سبحانه بقوله : ( وَمَنْ كَفَرَ ) ثانيا.
وثانيا : أن من الممكن أن يستفاد من قوله عليهالسلام فيمن تبعه : إنه مني وسكوته فيمن عصاه بعد ما كان دعاؤه في نفسه وبنيه أن ذلك تبن منه لكل من تبعه وإلحاق له بنفسه ، ونفي لكل من عصاه عن نفسه وإن كان من بنيه بالولادة ، أو إلحاق لتابعيه بنفسه مع السكوت عن غيرهم بناء على عدم صراحة السكوت في النفي.
ولا إشكال في ذلك بعد ظهور الدليل فإن الولادة الطبيعية لا يجب أن تكون هي الملاك في النسب إثباتا ونفيا ، ولا تجد واحدة من الأمم يقتصرون في النسب إثباتا ونفيا على مجرد الولادة الطبيعية لا بل لا يزالون يتصرفون بالتوسعة والتضييق وللإسلام أيضا تصرفات في ذلك كنفي الدعي والمولود من الزنا والكافر والمرتد وإلحاق الرضيع والمولود على الفراش إلى غير ذلك ، وفي كلامه تعالى في ابن نوح : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) : هود : ٤٦.
وثالثا : أنه عليهالسلام وإن لم يسأل المغفرة والرحمة صريحا لمن عصاه وإنما عرضهم للمغفرة والرحمة بقوله : ( وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) لكنه لا يخلو عن إيماء ما إلى الطلب لمن ترك طريقته وسيرته التي تعد الإنسان للرحمة الإلهية بحفظه من عبادة الأصنام ، وهذا المقدار من المعصية لا يمنع عن شمول الرحمة وإن لم يكن مقتضيا أيضا لذلك ، وليس المراد به نفس الشرك بالله حتى ينافي سؤال المغفرة كما قال تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) النساء : ١١٦.
هذا محصل ما يعطيه التدبر في الآيتين الكريمتين وهو في معزل عما استشكله المفسرون في أطراف الآيتين ثم ذهبوا في التخلص عنه مذاهب شتى بعيدة عن الذوق السليم.
فقد استشكلوا أولا قوله عليهالسلام : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) من حيث إن ظاهره سؤال الحفظ عن عبادة الأصنام لنفسه ولبنيه جميعا فيكون دعاء غير مستجاب فإن قريشا من بنيه وقد كانوا وثنيين يعبدون الأصنام ، وكيف يمكن أن يدعو