ويمكن أن يكون الجملة في مقام الترقي والمعنى له من في السماوات والأرض فعليهم أن يعبدوا وسيحاسبون من غير استثناء حتى أن من عنده من مقربي عباده وكرام ملائكته لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون بل يسبحونه تسبيحا دائما غير منقطع.
وقد تقدم في آخر سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ » استفادة أن المراد بقوله : « الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ » أعم من الملائكة المقربين فلا تغفل.
قوله تعالى : « أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ » الإنشار إحياء الموتى فالمراد به المعاد ، وفي الآية دفع احتمال آخر ينافي المعاد والحساب المذكور سابقا وهو الرجوع إلى الله بأن يقال : إن هناك آلهة أخرى دون الله يبعثون الأموات ويحاسبونهم وليس لله سبحانه من أمر المعاد شيء حتى نخافه ونضطر إلى إجابة رسله واتباعهم في دعوتهم بل نعبدهم ولا جناح؟.
وتقييد قوله : « أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً » بقوله « مِنَ الْأَرْضِ » قيل : ليشير به إلى أنهم إذا كانوا من الأرض كان حكمهم حكم عامة أهل الأرض من الموت ثم البعث فمن الذي يميتهم ثم يبعثهم؟.
ويمكن أن يكون المراد اتخاذ آلهة من جنس الأرض كالأصنام المتخذة من الحجارة والخشب والفلزات فيكون فيه نوع من التهكم والتحقير ويئول المعنى إلى أن الملائكة الذين هم الآلهة عندهم إذا كانوا من عباده تعالى وعباده وانقطع هؤلاء عنهم ويئسوا من ألوهيتهم ليلتجئوا إليهم في أمر المعاد فهل يتخذون أصنامهم وتماثيلهم آلهة من دون الله مكان أرباب الأصنام والتماثيل.
قوله تعالى : « لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ » قد تقدم في تفسير سورة هود وتكررت الإشارة إليه بعده أن النزاع بين الوثنيين والموحدين ليس في وحدة الإله وكثرته بمعنى الواجب الوجود الموجود لذاته الموجد لغيره فهذا مما لا نزاع في أنه واحد لا شريك له ، وإنما النزاع في الإله بمعنى الرب المعبود والوثنيون على أن تدبير العالم على طبقات أجزائه مفوضة إلى موجودات شريفة مقربين عند الله ينبغي أن يعبدوا حتى يشفعوا لعبادهم عند الله ويقربوهم إليه زلفى كرب السماء ورب الأرض ورب الإنسان وهكذا وهم آلهة من دونهم والله