الصادرة منا على ما تقتضيه القوانين العقلية الحافظة لتلائم أجزاء الفعل وانسياقه إلى غايته ، وهذه القوانين العقلية مأخوذة من الحقائق الخارجية والنظام الجاري فيها الحاكم عليها فأفعالنا التعقلية تابعة للقوانين العقلية وهي تابعة للنظام الخارجي لكن الرب المدبر للكون فعله نفس النظام الخارجي المتبوع للقوانين العقلية ، فمن المحال أن يكون فعله تابعا للقوانين العقلية وهو متبوع ، فافهم ذلك.
فهذا تقرير حجة الآية وهي حجة برهانية مؤلفة من مقدمات يقينية تدل على أن التدبير العام الجاري بما يشتمل عليه ويتألف منه من التدابير الخاصة صادر عن مبدإ واحد غير مختلف ، لكن المفسرين قرروها حجة على نفي تعدد الصانع واختلفوا في تقريرها وربما أضاف بعضهم إليها من المقدمات ما هو خارج عن منطوق الآية وخاضوا فيها حتى قال القائل منهم إنها حجة إقناعية غير برهانية أوردت إقناعا للعامة.
قوله تعالى : « فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ » تنزيه له تعالى عن وصفهم وهو أن معه آلهة هم ينشرون أو أن هناك آلهة من دونه يملكون التدبير في ملكه فالعرش كناية عن الملك ، وقوله : « عَمَّا يَصِفُونَ » « ما » فيه مصدرية والمعنى : عن وصفهم.
وللكلام تتمة ستوافيك.
قوله تعالى : « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » الضمير في « لا يُسْئَلُ » له تعالى بلا إشكال ، والضمير في « وَهُمْ يُسْئَلُونَ » للآلهة الذين يدعونهم أو للآلهة والناس جميعا أو للناس فقط ، وأحسن الوجوه أولها لأن ذلك هو المناسب للسياق والكلام في الآلهة الذين يدعونهم من دونه ، فهم المسئولون والله سبحانه لا يسأل عن فعله.
والسؤال عن الفعل هو قولنا لفاعله : لم فعلت كذا؟ وهو سؤال عن جهة المصلحة في الفعل فإن الفعل المقارن للمصلحة لا مؤاخذة عليه عند العقلاء ، والله سبحانه لما كان حكيما على الإطلاق كما وصف به نفسه في مواضع من كلامه ، والحكيم هو الذي لا يفعل فعلا إلا لمصلحة مرجحة لا جرم لم يكن معنى للسؤال عن فعله بخلاف غيره فإن من الممكن في حقهم أن يفعلوا الحق والباطل وأن يقارن فعلهم المصلحة والمفسدة فجاز في حقهم السؤال حتى يؤاخذوا بالذم العقلي أو العقاب المولوي إن لم يقارن الفعل المصلحة.
هذا ما ذكره جماعة من المفسرين في توجيه الآية وهو معنى صحيح في الجملة لكن