ولا يخلو من تأييد ما للمعنى الثاني من معنيي الذكر.
وقوله : « نُوحِي إِلَيْهِ » مفيد للاستمرار ، وقوله : « فَاعْبُدُونِ » خطاب للرسل ومن معهم من أممهم والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ » ظاهر السياق يشهد أنه حكاية قول الوثنيين أن الملائكة أولاده سبحانه فالمراد بالعباد المكرمين الملائكة ، وقد نزه الله نفسه عن ذلك بقوله : « سُبْحانَهُ » ثم ذكر حقيقة حالهم بالإضراب.
وإذ كان قوله بعد : « لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ » ... إلخ بيان كمال عبوديتهم من حيث الآثار وصفائها من جهة الخواص والتبعات وقد ذكر قبلا كونهم عبادا كان ظاهر ذلك أن المراد بإكرامهم إكرامهم بالعبودية لا بغيرها فيئول المعنى إلى أنهم عباد بحقيقة معنى العبودية ومن الدليل عليه صدور آثارها الكاملة عنهم.
فالمراد بكونهم عبادا ـ وجميع أرباب الشعور عباد الله ـ إكرامهم في أنفسهم بالعبودية فلا يشاهدون من أنفسهم إلا أنهم عباد ، والمراد بكونهم مكرمين إكرامه تعالى لهم بإفاضة العبودية الكاملة عليهم ، وهذا نظير كون العبد مخلصا ـ بكسر اللام ـ لربه ومقابلته تعالى ذلك بجعله مخلصا ـ بفتح اللام ـ لنفسه ، وإنما الفرق بين كرامة الملائكة والبشر أنها في البشر اكتسابي بخلاف ما في الملائكة ، وأما إكرامه تعالى فهو موهبي في القبيلين جميعا فافهم ذلك.
قوله تعالى : « لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » لا يسبق فلان فلانا بالقول أي لا يقول شيئا قبل أن يقوله فقوله تبع ، وربما يكنى به عن الإرادة والمشية أي إرادته تبع إرادته ، وقوله : « وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » الظرف متعلق بيعملون قدم عليه لإفادة الحصر أي يعملون بأمره لا بغير أمره ، وليس المراد لا يعملون بأمر غيره ففعلهم تابع لأمره أي لإرادته كما أن قولهم تابع لقوله فهم تابعون لربهم قولا وفعلا.
وبعبارة أخرى إرادتهم وعملهم تابعان لإرادته نظرا إلى كون القول كناية عن الإرادة ـ فلا يريدون إلا ما أراد ولا يعملون إلا ما أراد وهو كمال العبودية فإن لازم عبودية العبد أن يكون إرادته وعمله مملوكين لمولاه.
هذا ما يفيده ظاهر الآية على أن يكون المراد بالأمر ما يقابل النهي ، وتفيد