الآية أن الملائكة لا يعرفون النهي إذ النهي فرع جواز الإتيان بالفعل المنهي عنه وهم لا يفعلون إلا عن أمر.
ويمكن أن يستفاد من قوله تعالى : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ » يس : ٨٣ ، وقوله : « وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ » القمر : ٥٠ ، حقيقة معنى أمره تعالى وقد تقدم في بعض المباحث السابقة كلام في ذلك وسيجيء استيفاء البحث في كلام خاص بالملائكة فيما يعطيه القرآن في حقيقة الملك.
قوله تعالى : « يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ » فسروا « ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ » بما قدموا من أعمالهم وما أخروا ، والمعنى : يعلم ما عملوا وما هم عاملون.
فقوله : « يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ » استئناف في مقام التعليل لما تقدمه من قوله : « لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » كأنه قيل : إنما لم يقدموا على قول أو عمل بغير أمره تعالى لأنه يعلم ما قدموا من قول وعمل وما أخروا فلا يزالون يراقبون أحوالهم حيث إنهم يعلمون ذلك.
وهو معنى جيد في نفسه لكنه إنما يصلح لتعليل عدم إقدامهم على المعصية لا لتعليل قصر عملهم على مورد الأمر وهو المطلوب ، على أن لفظ الآية لا دلالة فيه على أنهم يعلمون ذلك ولو لا ذلك لم يتم البيان.
وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : « وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » مريم : ٦٤ ، أن الأوجه حمل قوله : « ما بَيْنَ أَيْدِينا » على الأعمال والآثار المتفرعة على وجودهم ، وقوله : « وَما خَلْفَنا » على ما هو من أسباب وجودهم مما تقدمهم وتحقق قبلهم فلو حمل اللفظتان في هذه الآية على ما حملتا عليه هناك كانت الجملة تعليلا واضحا لمجموع قوله : « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ـ إلى قوله ـ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » الذي يذكرهم بشرافة الذات وشرافة آثار الذات من القول والفعل ويكون المعنى : إنما أكرم الله ذواتهم وحمد آثارهم لأنه يعلم أعمالهم وأقوالهم وهي ما بين أيديهم ويعلم السبب الذي به وجدوا والأصل الذي عليه نشئوا وهو ما خلفهم كما يقال : فلان كريم النفس حميد السيرة لأنه مرضي الأعمال من أسرة كريمة.