فإن ذلك لازم ما وصفه الله من أمرها بقوله : « نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ » الهمزة : ٧ ، وقوله : « النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ » البقرة : ٢٤ ، وقوله : « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ » الآية : ٩٨ من السورة ، والنار التي هذا شأنها تأخذ باطن الإنسان كظاهره على حد سواء لا كنار الدنيا حتى تتوجه من جهة إلى جهة وتأخذ الظاهر قبل الباطن والخارج قبل الداخل حتى تمهلهم بقطع مسافة أو بتدرج في عمل أو مفارقة في جهة فيحتال لدفعها بتجاف أو تجنب أو إبداء حائل أو الالتجاء إلى ركن بل هي معهم كما أن أنفسهم معهم لا تستطاع ردا إذ لا اختلاف جهة ولا تقبل مهلة إذ لا مسافة بينها وبينهم فلا تسمح لهم في نزولها عليهم إلا البهت والحيرة.
فمعنى الآية ـ والله أعلم ـ لا يدفعون النار عن وجوههم وظهورهم بل تأتيهم من حيث لا يشعرون بها ولا يدرون فتكون مباغتة لهم فلا يستطيعون ردها ولا يمهلون في إتيانها.
قوله تعالى : « وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ » قال في المجمع : الفرق بين السخرية والهزء أن في السخرية معنى طلب الذلة لأن التسخير التذليل فأما الهزء فيقتضي طلب صغر القدر بما يظهر في القول. انتهى والحيق الحلول ، والمراد بما كانوا به يستهزءون ، العذاب وفي الآية تسلية للنبي صلىاللهعليهوآله وتخويف وتهديد للذين كفروا.
قوله تعالى : « قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ » الكلاءة الحفظ والمعنى أسألهم من الذي يحفظهم من الرحمن إن أراد أن يعذبهم ثم أضرب عن تأثير الموعظة والإنذار فيهم فقال : « بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ » أي القرآن « مُعْرِضُونَ » فلا يعتنون به ولا يريدون أن يصغوا إليه إذا تلوته عليهم وقيل المراد بالذكر مطلق المواعظ والحجج.
قوله تعالى : « أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ » أم منقطعة والاستفهام للإنكار ، وكل من « تَمْنَعُهُمْ » و « مِنْ دُونِنا » صفة آلهة ، والمعنى بل أسألهم ألهم آلهة من دوننا تمنعهم منا.
وقوله : « لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ » إلخ تعليل للنفي المستفاد من الاستفهام