فالمعنى قال : بل شاهد الحال وهو صيرورة الجميع جذاذا وبقاء كبيرهم سالما يشهد أن قد فعله كبيرهم هذا وهو تمهيد لقوله : « فَسْئَلُوهُمْ » إلخ.
وقوله : « فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » أمر بأن يسألوا الأصنام عن حقيقة الحال وأن الذي فعل بهم هذا من هو؟ فيخبروهم به إن كانوا ينطقون فقوله : « إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » شرط جزاؤه محذوف يدل عليه قوله « فَسْئَلُوهُمْ ».
فتحصل أن الآية على ظاهرها من غير تكلف إضمار أو تقديم وتأخير أو محذور تعقيد ، وأن صدرها المتضمن لدعوى استناد الفعل إلى كبيرهم إلزام للخصم وتوطئة وتمهيد لذيلها وهو أمرهم بسؤال الأصنام إن نطقوا لينتهي إلى اعتراف القوم بأنهم لا ينطقون.
وربما قيل : إن قوله : « إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » قيد لقوله : « بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ » والتقدير : بل إن كانوا ينطقون فعله كبيرهم ، وإذ كان نطقهم محالا فالفعل منه كذلك وقوله : « فاسألوا » جملة معترضة.
وربما قيل : إن فاعل قوله : « فَعَلَهُ » محذوف والتقدير بل فعله من فعله ثم ابتدأ فقيل : كبيرهم هذا فاسألوهم إلخ وربما قيل : غير ذلك وهي وجوه غير خالية من التكلف لا يخلو الكلام معها من التعقيد المنزه عنه كلامه تعالى.
قوله تعالى : « فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ » تفريع على قوله : « فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » فإنهم لما سمعوا منه ذلك وهم يرون أن الأصنام جمادات لا شعور لها ولا نطق تمت عند ذلك عليهم الحجة فقضى كل منهم على نفسه أنه هو الظالم دون إبراهيم فقوله : « فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ » استعارة بالكناية عن تنبههم وتفكرهم في أنفسهم ، وقوله : « فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ » أي قال كل لنفسه مخاطبا لها : إنك أنت الظالم حيث تعبد جمادا لا ينطق.
وقيل : المعنى فرجع بعضهم إلى بعض وقال بعضهم لبعض إنكم أنتم الظالمون وأنت خبير بأن ذلك لا يناسب المقام وهو مقام تمام الحجة على الجميع واشتراكهم في الظلم ولو بني على قول بعضهم لبعض في مقام هذا شأنه لكان الأنسب أن يقال : إنا نحن الظالمون كما في نظائره قال تعالى : « فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا