كُنَّا طاغِينَ » القلم : ٣١ ، وقال : « فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ » الواقعة : ٦٧.
قوله تعالى : « ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ » قال الراغب : النكس قلب الشيء على رأسه ومنه نكس الولد إذا خرج رجله قبل رأسه قال تعالى : « ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ ». انتهى فقوله : « ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ » كناية أو استعارة بالكناية عن قلبهم الباطل على مكان الحق الذي ظهر لهم والحق على مكان الباطل كأن الحق علا في قلوبهم الباطل فنكسوا على رءوسهم فرفعوا الباطل وهو كون إبراهيم ظالما على الحق وهو كونهم هم الظالمين فخصموا إبراهيم بقولهم « لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ ».
ومعنى قولهم : « لَقَدْ عَلِمْتَ » إلخ. أن دفاعك عن نفسك برمي كبير الأصنام بالفعل وهو الجذ وتعليق ذلك باستنطاق الآلهة مع العلم بأنهم لا ينطقون دليل على أنك أنت الفاعل الظالم فالجملة كناية عن ثبوت الجرم وقضاء على إبراهيم.
قوله تعالى : « قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ ـ إلى قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ » لما تفوهوا بقولهم : « ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ » وسمعه إبراهيم لم يشتغل بالدفاع فلم يكن قاصدا لذلك من أول بل استفاد من كلامهم لدعوته الحقة فخصمهم بلازم قولهم وأتم الحجة عليهم في كون أصنامهم غير مستحقة للعبادة أي غير آلهة.
فما حصل تفريع قوله : « أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ » أن لازم كونهم لا ينطقون أن لا يعلموا شيئا ولا يقدروا على شيء ، ولازم ذلك أن لا ينفعوكم شيئا ولا يضروكم ، ولازم ذلك أن يكون عبادتهم لغوا إذ العبادة إما لرجاء خير أو لخوف شر وليس عندهم شيء من ذلك فليسوا بآلهة.
وقوله : « أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » تزجر وتبر منهم ومن آلهتهم بعد إبطال ألوهيتها ، وهذا كشهادته على وحدانيته تعالى بعد إثباتها في قوله فيما مر : « وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ » ، وقوله : « أَفَلا تَعْقِلُونَ » توبيخ لهم.
قوله تعالى : « قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ » هو عليهالسلام وإن أبطل بكلامه السابق ألوهية الأصنام وكان لازمه الضمني أن لا يكون كسرهم ظلما