وجرما لكنه لوح بكلامه إلى أن رميه كبير الأصنام بالفعل وأمرهم أن يسألوا الآلهة عن ذلك لم يكن لدفع الجرم عن نفسه بل كان تمهيدا لإبطال ألوهية الآلهة وبهذا المقدار من السكوت وعدم الرد قضوا عليه بثبوت الجرم وأن جزاءه أن يحرق بالنار.
ولذلك قالوا : حرقوه وانصروا آلهتكم بتعظيم أمرهم ومجازاة من أهان بهم وقولهم : « إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ » تهييج وإغراء.
قوله تعالى : « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » خطاب تكويني للنار تبدلت به خاصة حرارتها وإحراقها وإفنائها بردا وسلاما بالنسبة إلى إبراهيم عليهالسلام على طريق خرق العادة ، وبذلك يظهر أن لا سبيل لنا إلى الوقوف على حقيقة الأمر فيه تفصيلا إذ الأبحاث العقلية عن الحوادث الكونية إنما تجري فيما لنا علم بروابط العلية والمعلولية فيه من العاديات المتكررة ، وأما الخوارق التي نجهل الروابط فيها فلا مجرى لها فيها. نعم نعلم إجمالا أن لهمم النفوس دخلا فيها وقد تكلمنا في ذلك في مباحث الإعجاز في الجزء الأول من الكتاب.
والفصل في قوله : « قُلْنا » إلخ. لكونه في معنى جواب سؤال مقدر وتقدير الكلام بما فيه من الحذف إيجازا نحو من قولنا : فأضرموا نارا وألقوه فيها فكأنه قيل : فما ذا كان بعده فقيل : ( قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، وعلى هذا النحو الفصل في كل « قالَ » و « قالُوا » في الآيات السابقة من القصة.
قوله تعالى : « وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ » أي احتالوا عليه ليطفئوا نوره ويبطلوا حجته فجعلناهم الأخسرين حيث خسروا ببطلان كيدهم وعدم تأثيره وزادوا خسارة حيث أظهره الله عليهم بالحفظ والإنجاء.
قوله تعالى : « وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ » الأرض المذكورة هي أرض الشام التي هاجر إليها إبراهيم ، ولوط أول من آمن به وهاجر معه كما قال تعالى : « فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي » العنكبوت : ٢٦.
قوله تعالى : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً » النافلة العطية وقد تكرر البحث عن مضمون الآيتين.