مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) )
( بيان )
انتقال من قصة يحيى إلى قصة عيسى عليهالسلام وبين القصتين شبها تاما فولادتهما على خرق العادة ، وقد أوتي عيسى الرشد والنبوة وهو صبي كيحيى ، وقد أخبر أنه بر بوالدته وليس بجبار شقي وأن السلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا كما أخبر الله عن يحيى عليهالسلام بذلك إلى غير ذلك من وجوه الشبه وقد صدق يحيى بعيسى وآمن به.
قوله تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا » المراد بالكتاب القرآن أو السورة فهي جزء من الكتاب وجزء الكتاب كتاب والاحتمالان من حيث المال واحد فلا كثير جدوى في إصرار بعضهم على تقديم الاحتمال الثاني وتعيينه.
والنبذ ـ على ما ذكره الراغب ـ طرح الشيء الحقير الذي لا يعبأ به يقال نبذه إذا طرحه مستحقرا له غير معتن به ، والانتباذ الاعتزال من الناس والانفراد.
ومريم هي ابنة عمران أم المسيح عليهالسلام ، والمراد بمريم نبأ مريم وقوله : « إِذِ » ظرف له ، وقوله : « انْتَبَذَتْ » إلى آخر القصة تفصيل المظروف الذي هو نبأ مريم ، والمعنى واذكر يا محمد في هذا الكتاب نبأ مريم حين اعتزلت من أهلها في مكان شرقي ، وكأنه شرقي المسجد.
قوله تعالى : « فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا » الحجاب ما يحجب الشيء ويستره عن غيره ، وكأنها اتخذت الحجاب من دون