ثلاث طوائف : الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأهل الاجتباء والهدى. وأهل الغي ، والذين تابوا وآمنوا وعملوا صالحا وهم ملحقون بأهل النعمة والرشد ثم تذكر ثواب التائبين المسترشدين وعذاب الغاوين وهم قرناء الشياطين وأولياؤهم.
والسورة مكية بلا ريب تدل على ذلك مضامين آياتها وقد نقل على ذلك اتفاق المفسرين.
قوله تعالى : « كهيعص » قد تقدم في تفسير أول سورة الأعراف أن السور القرآنية المصدرة بالحروف المقطعة لا تخلو من ارتباط بين مضامينها وبين تلك الحروف فالحروف المشتركة تكشف عن مضامين مشتركة.
ويؤيد ذلك ما نجده من المناسبة والمجانسة بين هذه السورة وسورة ص في سرد قصص الأنبياء ، وسيوافيك بحث جامع إن شاء الله في روابط مقطعات الحروف ومضامين السور التي صدرت بها ، وكذا ما بين السور المشتركة في بعض هذه الحروف كهذه السورة وسورة يس وقد اشتركتا في الياء ، وهذه السورة وسورة الشورى وقد اشتركتا في العين.
قوله تعالى : « ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا » ظاهر السياق أن الذكر خبر لمبتدء محذوف والمصدر بمعنى المفعول ، والمال بحسب التقدير : هذا خبر رحمة ربك المذكور ، والمراد بالرحمة استجابته سبحانه دعاء زكريا على التفصيل الذي قصة بدليل قوله تلوا : « إِذْ نادى رَبَّهُ ».
قوله تعالى : « إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا » الظرف متعلق بقوله : « رَحْمَتِ رَبِّكَ » والنداء والمناداة الجهر بالدعوة خلاف المناجاة ، ولا ينافيه توصيفه بالخفاء لإمكان الجهر بالدعوة في خلاء من الناس لا يسمعون معه الدعوة ، ويشعر بذلك قوله الآتي : « فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ ».
وقيل : إن العناية في التعبير بالنداء أنه تصور نفسه بعيدا منه تعالى بذنوبه وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه.
قوله تعالى : « قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي » إلى آخر الآية ، تمهيد لما سيسأله وهو قوله : « فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ».