فكان إدريس يسأله وكان مما سأله : أنك أخبرت أنك أكرم الملائكة على ملك الموت ـ وأمكنهم عنده فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي ـ حتى أزداد شكرا وعبادة فقال الملك : لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها. قال : نعم ولكنه أطيب لنفسي. قال الملك أنا مكلمه لك ، وما كان يستطيع أن يفعله لأحد من بني آدم فهو فاعله لك.
ثم حمله الملك على جناحه ورفعه إلى السماء ـ فوضعه عند مطلع الشمس ثم أتى ملك الموت ـ وذكر له حاجة إدريس وشفع له فقال ملك الموت : ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت أعلمته أجله. قال : نعم فنظر في ديوانه وأخبره باسمه وقال : ما أراه يموت أبدا. فإنه أجده يموت عند مطلع الشمس! قال : فإني أتيتك وقد تركته هناك. قال له : انطلق فلا أراك تجده إلا ميتا فوالله ما بقي من أجله شيء ـ فرجع الملك إليه فوجده ميتا.
ورواه في الدر المنثور ، عن ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس عن كعب : إلا أن فيه أن النازل على إدريس ـ الملك الذي كان يرفع إليه عمله ـ وقد كان يرفع له من العمل ما يعدل عمل أهل الأرض في زمانه ـ فأعجبه ذلك فسأل الله أن ينزل إليه ـ فأذن له فنزل إليه وصحبه « إلخ » وروى ابن أبي حاتم بطريق آخر عن ابن عباس هذا الحديث وفيه" : أن إدريس مات بين جناحي الملك.
وفي الدر المنثور ، أخرج ابن المنذر عن عمر مولى غفرة يرفعه إلى النبي صلىاللهعليهوآله : إن إدريس كان يرفع له وحده من العمل ـ ما يعدل عمل أهل الأرض كلهم ـ فأعجب ذلك ملك الموت ـ فاستأذن الله في النزول إلى الأرض وصحبته ـ فأذن له فنزل إليه وصحبه ـ فكانا يسيحان في الأرض ويعبدان الله ـ فأعجب إدريس ما رآه من عبادة صاحبه ـ من غير كسل ولا فتور فسأله عن ذلك ـ وأحفى في السؤال حتى عرفه ملك الموت نفسه ـ وذكر له قصة نزوله وصحبته.
فلما عرفه إدريس سأله ثلاث حوائج له : أن يقبض روحه ساعة ثم يردها إليه ـ فاستأذن الله وفعل ، وأن يرفعه إلى السماء ويريه النار فاستأذن وفعل ، وأن يريه الجنة فاستأذن وفعل ـ فدخل الجنة وأكل من ثمارها وشرب من مائها ـ فقال له ملك الموت : اخرج يا نبي الله ـ فقد أصبت حاجتك ، فامتنع من الخروج ـ وتعلق بشجرة هناك ،