قدامنا من الزمان المستقبل وبما خلفنا الماضي وبما بين ذلك الحال ، وقيل : ما بين أيدينا ما قبل الإيجاد من الزمان. وما خلفنا ما بعد الموت إلى استمرار الآخرة وما بين ذلك هو مدة الحياة وقيل : ما بين الأيدي الدنيا إلى النفخة الأولى وما خلفهم هو ما بعد النفخة الثانية وما بين ذلك ما بين النفختين وهو أربعون سنة ، وقيل : ما بين أيديهم الآخرة وما خلفهم الدنيا ، وقيل : ما بين أيديهم ما قبل الخلق وما خلفهم ما بعد الفناء وما بين ذلك ما بين الدنيا والآخرة ، وقيل : ما بين أيديهم ما بقي من أمر الدنيا وما خلفهم ما مضى منه وما بين ذلك ما هم فيه وقيل : المعنى ابتداء خلقنا ومنتهى آجالنا ومدة حياتنا.
وقيل : ما بين أيديهم السماء وما خلفهم الأرض وما بين ذلك ما بينهما ، وقيل : بعكس ذلك ، وقيل : ما بين أيديهم المكان الذي ينتقلون إليه وما خلفهم المكان الذي ينتقلون منه وما بين ذلك المكان الذي هم فيه.
وتشترك الأقوال الثلاثة الأخيرة في أن الماءات عليها مكانية كما يشترك السبعة في أن الماءات عليها زمانية وهناك قول بكون الآية تعم الزمان والمكان فهذه أحد عشر قولا ولا دليل على شيء منها مع ما فيها من قياس الملك على الإنسان والوجه ما قدمناه.
فقوله : « لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ » يفيد إحاطة ملكه تعالى بهم ملكا حقيقيا لا يجري فيه تصرف غيره ولا إرادة من سواه إلا عن إذن منه ومشية وإذ لا معصية للملائكة فلا تفعل فعلا إلا عن أمره ومن بعد إذنه ولا تريد إلا ما أراده الله فلا يتنزل ملك إلا بأمر ربه.
وقد تقرر بهذا البيان أن قوله : « لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ » في مقام التعليل لقوله : « وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ » وأن قوله : « وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » ـ والنسي فعول من النسيان ـ من تمام التعليل أي أنه تعالى لا ينسى شيئا من ملكه حتى يختل بإهماله أمر التدبير فلا يأمر بالنزول حينما يجب فيه النزول أو يأمر به حينما لا يجب وهكذا وكان هذا هو وجه العدول في الآية عن إثبات العلم أو الذكر إلى نفي النسيان.
وقيل المعنى وما كان ربك نسيا أي تاركا لأنبيائه أي ما كان عدم النزول إلا