والغرض من إيراد هذه الأسانيد ، التنبيه على عدم خلوّ الكتب الأربعة عن أخبار زيد النرسي ، وبيان صحّة رواية ابن أبي عمير عنه ، والإشارة إلى تعدّد الطرق إليه ، واشتمالها على عدّة من الرجال الموثوق بهم ، سوى من تقدّم ذكره في الطرق السالفة ، وفي ذلك كلّه تنبيه على صحّة هذا الأصل ، وبطلان دعوى وضعه كما قلنا.
ويشهد لذلك أيضا أنّ محمد بن موسى الهمداني ، وهو الذي ادّعي عليه وضع هذه الأصول ، لم يتّضح ضعفه بعد ، فضلا عن كونه وضّاعا للحديث ، فإنّه من رجال نوادر الحكمة ، والرواية عنه في كتب الأحاديث متكرّرة ، ومن جملة رواياته حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير ، وهو حديث مشهور ، أشار إليه المفيد رحمهالله في مقنعته ، وفي مسار الشيعة (١) ، ورواه الشيخ رحمهالله في التهذيب (٢) ، وأفتى به الأصحاب ، وعوّلوا عليه ، ولا رادّ له سوى الصدوق (٣) وابن الوليد ، بناء على أصلهما فيه.
والنجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه ولم يضعّفه ، بل نسب الى القميين تضعيفه بالغلوّ ، ثم ذكر له كتبا منها كتاب الردّ على الغلاة ، وذكر طريقه الى تلك الكتب ، قال رحمهالله : وكان ابن الوليد رحمهالله يقول : إنّه كان يضع الحديث والله أعلم (٤).
وابن الغضائري وإن ضعّفه ، إلاّ أنّ كلامه فيه يقتضي أنّه لم يكن بتلك المثابة من الضعف ، فإنّه قال فيه : إنّه ضعيف ، يروي عن الضعفاء ، ويجوز أن يخرج شاهدا ، تكلّم فيه القميون فأكثروا ، واستثنوا من نوادر الحكمة ما رواه (٥) ، وكلامه ظاهر في أنّه لم يذهب فيه مذهب القمّيين ، ولم يرتض ما قالوه ،
__________________
(١) المقنعة : ٢٠٤ ، مسار الشيعة : ٣٩ ضمن المجلد السابع من مصنفات الشيخ المفيد.
(٢) التهذيب ٣ : ١٤٣ / ٣١٧.
(٣) الفقيه ٢ : ٥٥ / ذيل الحديث ٢٤١.
(٤) رجال النجاشي : ٣٣٨ / ٩٠٤.
(٥) حكاها عنه العلامة في الخلاصة : ٢٥٥ / ٤٤.