ويندفع بمنع ذلك ؛ للإجماع على جواز الصوم بالغسل خاصّة مع توقّفه على رفع الحدث الأكبر غير المسّ ، وكذا على جواز دخول المساجد وقراءة العزائم وغيرهما ممّا لا يتوقّف جوازه على رفع الحدث الأصغر ، وما يتوقّف على الوضوء كالصلاة ومسّ كتابة القرآن ونحوها يتوقّف على الغسل أيضاً.
وهذا يدلّ على أن الوضوء ليس له صلاحيّة التأثير فيما يتوقّف على الغسل خاصّة هنا ، ولا جزءاً من المؤثّر فيه ، فعلم منه أنّ حدث الغسل المكمل بالوضوء موجب للوضوء والغسل معاً ، فكان قائماً مقام الأكبر والأصغر معاً ، وكلّ واحد من الغسل والوضوء الرافعين له منصرف إلى موجبه ، لا أنّ لكلّ واحد منهما مدخلاً في رفع كلّ منهما.
وربما بالغ بعضهم (١) في تعدية حال الإعادة هنا وطرد الخلاف إلى ما لو وقع الحدث الأصغر بعد الغسل قبل الوضوء بناءً على ما قرّرناه من اشتراك الطهارتين في التأثير في الحدثين. وهو باطل قطعاً ؛ لما قلناه.
وقوله : إنّ نقض الغسل بهذا الحدث يستلزم كونه موجباً للغسل ، ضعيف جدّاً.
أمّا أوّلاً : فلأنّه لم يحصل مسمّى الغسل بعدُ حتى يقال : إنّه نقض الغسل ، وإنّما يتمّ ذلك لو كمل ، وهو غير المتنازع ، ولو فرض لم ينقضه إجماعاً ، وإنّما حكم بنقض بعض الغسل ، فلا يتمّ المدّعى.
واحتجّ المصنّف على مذهبه من وجوب الإعادة : بأنّ الحدث الأصغر لو تعقّب كمال الغسل أبطل حكم الاستباحة ففي أبعاضه أولى ، فلا بدّ من تجديد طهارة لها ، وهو الآن جنب ؛ إذ لا يرتفع إلا بكمال الغسل ، فيسقط اعتبار الوضوء. وهو دليل واضح ، وعبارته التي حكيناها هنا منقّحة ، وهي عبارته في النهاية. (٢)
وقد عبّر في المختلف (٣) عن هذا الدليل بلفظٍ لا يخلو ظاهره من مناقشة ، وحاصله : أنّ الحدث المذكور لو وقع بعد الغسل بكماله أبطله فأبعاضه أولى بالبطلان ، فيعيده.
وأورد عليه بعض المحقّقين منع الصغرى بأنّ الحدث الأصغر لو أبطل الغسل لأوجبه ؛
__________________
(١) لم نتحقّقه.
(٢) نهاية الإحكام ١ : ١١٤.
(٣) مختلف الشيعة ١ : ١٧٦ ، المسألة ١٢٣.