وذكاء المسك ، وسواد الحِبْر ؛ لمناسبة النجاسة تغليظ الحكم ، وهو الظاهر من كلامه في النهاية (١). واعتبار الوسط بناءً على الأغلب.
وهل تعتبر أوصاف الماء وسطاً ؛ لاختلافها في قبول التغيّر وعدمه ، كالعذوبة والملوحة ، والرقّة والغلظة ، والصفاء والكدورة؟ فيه احتمال.
وما اختاره الشهيد (٢) رحمهالله أوضح فتوًى وأسلم من تقدير ما ليس بموجود وترتّب الحكم عليه.
واعلم أنّه يستفاد من الحصر المذكور عدم اشتراط الكُرّيّة في الجاري ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال في الذكرى : لم أقف فيه على مخالف ممّن سلف (٣).
وحجّتهم الأخبار عن أهل البيت عليهمالسلام برفع البأس عن ملاقاته للنجاسة من غير تقييد بالكُرّيّة ، كقول الصادق عليهالسلام لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري (٤). ولأنّه قاهر للنجاسة غالب عليها ؛ لعدم استقرارها. ولأنّ تعليق الحكم على الوصف يُشعر بالعلّيّة. ولأنّ الأصل الطهارة ، فنستصحب حتى تظهر دلالة تنافيه.
وذهب المصنّف رحمهالله في سائر كتبه (٥) إلى اشتراطها فيه ، فلو كان دون الكُرّ ، نجس كالواقف بمجرّد ملاقاة النجاسة له مع تساوي سطوحه ، ومع اختلافها ما تحت النجاسة أيضاً دون ما فوقها ، محتجّاً بعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار الكُرّيّة ، ولا معارض له ، فيجب التمسّك به.
وأُجيب (٦) : بتعارض العمومين ، والترجيح في جانب الشهرة ؛ لما ذُكر ، فيخصّ اعتبار الكُرّيّة بغير النابع.
أقول : في حجّة المشهور نظر ؛ إذ لا دلالة في نفي البأس عن البول في الجاري على عدم انفعال القليل منه بالنجاسة بإحدى الدلالات. والاستدلال بعمومه لو سُلّم فإنّما يدلّ على جواز تنجيسه مع قلّته ، وهو غير المتنازع. ولمعارضته بقول عليّ عليهالسلام نهي أن يبول الرجل
__________________
(١) انظر : نهاية الإحكام ١ : ٢٢٩.
(٢) الذكرى ١ : ٧٤.
(٣) الذكرى ١ : ٧٩.
(٤) التهذيب ١ : ٣١ / ٨١ ، و ٤٣ / ١٢١ ؛ الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٣.
(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧ ، الفرع الثاني ؛ قواعد الأحكام ١ : ٤ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٢٢٨ و ٢٢٩.
(٦) المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١١١.