في الماء الجاري إلا من ضرورة
(١) فقد تساوى الماءان في النهي ، ومن ثَمَّ حكموا بكراهة البول فيهما.
ولا يرد : أنّ النجاسة بأس فنفيه يقتضي نفيها ؛ لأنّ المراد بالبأس في هذا ونظائره الحرامُ ؛ فإنّ البأس لغة هو : العذاب ، وهو مسبّب عن التحريم ، فأُطلق اسمه على السبب ؛ إذ لا يصلح هنا غير ذلك من معانيه لغةً.
وقهره للنجاسة وغلبته عليها لا يصلح دليلاً شرعيّاً ، مع معارضته بماء البئر عندهم. وخروجه بنصٍ خاصّ عين المدّعى هنا ؛ إذ لا معارض لدليل اشتراط الكُرّيّة في عدم الانفعال بالملاقاة.
وتعليق الحكم بالوصف الذي هو الجريان ليس هو الحكم المتنازع ؛ لعدم دلالة الحديث عليه ، وما دلّ عليه لا تنازع فيه. هذا مع تسليم العمل بالعلّيّة المدّعاة.
والأصل المذكور قد عُدل عنه ؛ للدليل الدالّ على انفعال ما دون الكُرّ بالخبث.
وقد بالغ الشيخ عليّ (٢) رحمهالله ، فادّعى الإجماع على عدم اشتراط الكُرّيّة بناءً على أنّ المخالف معلوم النسب ، ولم يذكر ذلك غيره ، وإنّما قال الشهيد رحمهالله : لا أعلم مخالفاً (٣). وعدم العلم لا يدلّ على العدم ، مع أنّ عدم علمه به غريب ، وقد أسلفنا في باب الحيض ما يدلّ على عدم صحّة هذه الدعوى.
مع أنّه يمكن معارضة هذا الإجماع ؛ لأنّ المخالف المعلوم النسب وإن كان مائةً لا حجّة في قوله. ونحن لو حاولنا معرفة مَنْ قال بعدم الاشتراط ، لم نقدر على عشرة ، مع أنّ جماعة من المتأخّرين عن (٤) المصنّف رحمهالله وافقوه على مقالته ، ولا شكّ أنّ للشهرة ترجيحاً ، إلا أنّ الدليل على مدّعاها غير قائم ، ولعلّه أرجح منها.
وعلى القولين لا فرق في الجاري بين دائم النبع صيفاً وشتاءً وبين المنقطع أحياناً ؛ لاشتراكهما في اسم النابع والجاري حقيقةً ، فكلّ ما دلّ على أحدهما دلّ عليهما ؛ إذ الدليل محصور فيما ذُكر.
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٤ / ٩٠ ؛ الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٥.
(٢) جامع المقاصد ١ : ١١١.
(٣) الذكرى ١ : ٧٩.
(٤) في الطبعة الحجريّة : «غير» بدل «عن».