وفرّق الشهيد في الدروس بين دائم النبع وغيره ، فلم يشترط الكُرّيّة في الأوّل وشرطها في الثاني (١) ، فعنده الشرط في الجاري أحد الأمرين : إمّا الكُرّيّة ، أو دوام النبع ، وتبعه الشيخ جمال الدين ابن فهد في الموجز (٢). ونحن نطالبهما بدليلٍ شرعيّ على ذلك.
(فإن تغيّر) بعض الجاري (نجس المتغيّر خاصّةً) دون ما فوقه وما تحته وما حاذاه ، إلا أن ينقص ما تحته عن الكُرّ ويستوعب التغيّر عمود الماء ، وهو خط ممّا بين حافّتيه عرضاً وعمقاً ، فينجس ما تحت المتغيّر أيضاً ؛ لتحقّق الانفصال.
وعلى القول باشتراط الكُرّيّة أو كان الجاري لاعن مادّة ولاقته نجاسة ، لم ينجس ما فوقها مطلقاً ولا ما تحتها إن كان جميعه كُرّاً إلا مع تغيّر بعض الكُرّ ، فينجس الأسفل ، أو استيعاب التغيّر ما بين الحافّتين ، فيشترط في طهارة الأسفل كُرّيّته ، كذا فصّله جماعة (٣) من المتأخّرين.
واعلم أنّ في هذا المقام بحثاً وفي كلام القوم في هذا التفصيل اضطراباً. وتحرير المقام : أنّ النصوص الدالّة على اعتبار الكثرة مثل : قوله عليهالسلام إذا بلغ الماء قدر كُرّ لم ينجّسه شيء (٤) وكلام أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكُرّ المجتمع بكون سطوحه مستويةً ، بل هو أعمّ منه ومن المختلف كيف اتّفق.
وقد ذكره المصنّف في كُتبه وغيرُه في عدّة مسائل ، كهذه المسألة ، ومسألة الغديرين الموصول بينهما بساقية ، ومسألة القليل الواقف إذا اتّصل بالجاري ، فإنّه حكم باتّحاد حكم الغديرين مع الساقية (٥) ، فمتى كان المجموع كُرّاً ، لم ينفعل بالملاقاة ، ومثله في القليل المتّصل بالجاري.
ومقتضى هذا الإطلاق الموجود في النصّ والفتوى : أنّ كـ من العالي والسافل يتقوّى بالآخر.
وتفصيلهم هذا الذي حكيناه في أوّل المسألة صريح فيه ؛ فإنّهم حكموا فيه بأنّه متى
__________________
(١) الدروس ١ : ١١٩.
(٢) الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ٣٦.
(٣) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ١١٩ ؛ والبيان : ٩٨ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١١١ ـ ١١٢.
(٤) الكافي ٣ : ٢ / ١ و ٢ ؛ التهذيب ١ : ٤٠٣٩ / ١٠٧ ١٠٩ ؛ الإستبصار ١ : ٦ / ٣١.
(٥) نهاية الإحكام ١ : ٢٣٢.